12:46 ص

الأيديولوجيا.. والإعلام


قبل البدء بالحديث عن الإيديولوجيا والإعلام فالحاجة قائمة للحديث عن بعض المفاهيم التي سيرد ذكرها ..
* مفهوم الأيديولوجيا
في الأصل : العلم الذي يدرس مدى صحة أو خطأ الأفكار التي يحملها الناس.
والمعنى السائد : النظام الفكري والعاطفي الشامل الذي يُعبّر عن مواقف الأفراد من العالم والمجتمع والإنسان.
* الحياد في وسائل الإعلام :
يثار هذه الأيام أن عصر الأيديولوجيا قد أفل نجمه، وضرورة تقليل الحمولة الأيديولوجية، والحقيقة أن القول بزوال الأيديولوجيا هو نفسه موقف إيديولوجي هدفه إشاعة المواقف الضبابية واللاعقلية، فليس هناك إعلام محايد، ولا يكاد يوجد إعلام متجرد وموضوعي بالمعنى المقصود من هذه الكلمة.
* مفهوم التأثير الإعلامي:
ما يتبقى في عقل وذهن المتلقي نتيجة تعرضه للرسالة الاتصالية.

ماذا تصنع وسائل الإعلام بالناس؟
-  وسائل الإعلام بوصفها امتداداً للحواس:
يعتبر البعض (وسائل الإعلام ) امتداداً للحواس !  - كما يقول (ليبمان)-.
- هل تعكس وسائل الإعلام الواقع من حولنا؟
تشير الكثير من الدراسات المعرفية أن وسائل الإعلام لاتعكس لنا الواقع من حولنا – كما هو – لكنها تعيد بناء صورة جديدة للواقع من حولنا تختلف عن الواقع الحقيقي، ويترتب على تلك الصورة عدة نتائج، منها:
1 – اعتقادنا بأهمية تلك الأحداث التي تغطيها وسائل الإعلام لمجرد قيام تلك الوسائل بتغطيتها.
2 – وجود صور محرفة ومتحيزة في أذهاننا عن الواقع وفق ما تريد الوسيلة الإعلامية إيصاله.
3– أن ما تتجاهله وسائل الإعلام من صور ومعلومات يساهم في بناء صورة مشوهة للواقع من حولنا.
·        هل تؤثر وسائل الإعلام في الناس ؟ وما حجم التأثير؟ وما نوعه ؟
هناك خلاف بين الباحثين حول مدى تأثير وسائل الإعلام على الناس معرفياً وعاطفياً وسلوكياً.. وتاريخ الخلاف منذ الحرب العالمية الأولى (1913م نظرية الرصاصة – الحقنة تحت الجلد ..).
ومن أسباب الخلاف:
1 – أن (التأثير) لايرى بشكل فوري وسريع لدى المتعرض للوسيلة الإعلامية
2 -  أن محاولة معرفة (الأثر) من خلال سؤال الشخص محل الدراسة عن مدى تأثير وسائل الإعلام عليه غير دقيق.
3-  باعتبار زاوية النظر لمدة التأثير .. (بعيد المدى، متوسط المدى، قريب المدى)
4 – باعتبار طبيعة التأثير ( سلوكي، عاطفي، معرفي) وتعتبر التأثيرات المعرفية من أوضح التأثيرات، لذا كان الخلاف بشأنها أقل.
·        أمثلة على عناوين التضليل..
بين دعاوي الحياد، وواقع الأدلجة ..
- يتردد في قناة "الجزيرة" مقطع إعلاني يقول أن القناة تمثل الرأي والرأي الآخر, ومنبر من لا منبر له,..الخ
- في قناة "المنار" مقطع يصور القناة وهي تكشف الحقيقة وتضع النقاط على الحروف.
- في قنوات أخرى مقاطع تصور القناة على أنها عين على الحقيقة أو أنها تنقل الحقيقة والواقع.

والحال أن القضية ليست صراعاً على الحقيقة.. بل هو صراع بين التأويلات والدلالات: بين تأويل هذه القناة وتأويل تلك القناة، وما يترتب على ذلك من استخدام الأساليب اللازمة لإحداث التأثير المطلوب.
وبلغة الإعلام يمكننا القول إن الواقع والأصل والحقيقة والأفكار والأحداث المقصودة بالتغطية الإعلامية هي ليست موضوعات معطاة، بل أشياء يتم تشكيلها وإنتاجها وبثّها، بعد دراسة مستفيضة لإمكانيات المتلقي، (نقاط قوته ونقاط ضعفه، نقاط تنبهه ونقاط غفلته), ثم التعامل معها بطريقة تخدم الهدف الذي ُيراد إيجاده في سلوكه، و مشاعره، ثم في أفكاره.
·        كيف تدخل الأيديولوجيا على الإعلام ؟ من وجهين :
1-   محتوى الرسالة الإعلامية أو المضمون (أي ماذا : يقال ويكتب ويعرض,ويبث؟)
2        - كيفية وأسلوب صياغة هذا المضمون (أي: كيف : يقال / ويكتب / ويعرض/ ويبث ومتى؟).

أمثلة على دخول الأيديولوجيا في المجال الإعلامي المطبوع :
المجلة القومية للجغرافيا (ناشيونال جيوغرافيك)
والتي تمثل بالنسبة لكل طفل بدأ مرحلة البلوغ في أمريكا، أحد أوسع عناصر التعليم انتشارا، فإنها تسير وفق أيدولوجية لاتخفى إذ أن العالم الذي تصوره اﻟﻤﺠلة هو العالم الواسع الذي تسيطر فيه حفنة قليلة من الدول الغربية على مصادره الأولية وعلى سكانه، ولا نجد “مقالة واحدة في اﻟﻤﺠلة تتحدث عن التمييز العنصري، أو عن سوء التغذية، أو جماعة الكلوكس كلان، أو الإعدام دون محاكمة، أو حركات الاعتصام، أو انتهاك الحرية الشخصية.
إن ولع “ناشيونال جيوغرافيك “ باﻟﻤﺠاز المشبع بالنزعة القومية، وتبجيلها للنزعة العسكرية المحافظة يسودان كل أعدادها، ونادرا ما يصدر عدد لا يحتوي على صورة فوتوغرافية (بالألوان، في السنوات الأخيرة) تصور “اﻟﻤﺠد القديم"، ولاتخلو المجلة من الإشادة بالجيش الأمريكي برغم تكاليفه العالية واصفة تلك التكاليف بأنها "صفقة رابحة مهما كلفتنا “.

أمثلة على دخول الأيديولوجيا في المجال الإعلامي المرئي :
"شركة والت ديزني"
وهي إحدى أكبرالشركات في أمريكان ويتابع منتجاتها مئات الملايين في أنحاء العالم.
وبرغم أن ديزني قد أعلن منذ البداية أنه يقدم التسلية ولاشيء أكثر من ذلك، لكن برامج التسلية – في حقيقتها-  تلمح للجمهور بالطريقة التي يتعين أن يتبعها في تحديد ما هو جدير بالاحترام في مجتمعنا، والكيفية التي يتصرف بها. فهي شكل من أشكال من التعليم.
وتحفل منتجات ديزني الترفيهية بالكثير من مفاهيم الجشع والعجرفة، فكثير منها تصور رحلة تستهدف البحث عن الذهب. وتتنافس الشخصيات على المال أو على الشهرة. وتقع نصف أحداثها خارج الكوكب الأرضي بينما تقع أحداث النصف الآخر في أراض أجنبية حيث تعيش أقوام تتصف بالبدائية بوجه عام. وهم جميعا من غير البيض.
وتتشابه القيم والمسلمات المألوفة لكل من مجلة “دليل التليفزيون “ وناشيونال جيوغرافيك، وإنتاج والت ديزني الفني في مضامينها وأشكالها فهي تنظر إلى النزعة الاستهلاكية نظرة التسليم دائما، والحماس أحيانا، وفي موادها يجري تعزيز المصلحة الشخصية، وحب المكسب، واستهداف النجاح الفردي، والاعتقاد بطبيعة إنسانية ثابتة لا تقبل التغير، باطراد لا يعرف الكلل.


المادة مستخلصة من عدد من المصادر ومن بينها كتاب (المتلاعبون بالعقول)  تأليف: هربرت أ. شيللر -  ترجمة: عبد السلام رضوان

هناك تعليقان (2):

  1. حقيقة فوسائل الإعلام على اختلافها تسير وفق ايديولوجية مرسومة مسبقا بدءاً بمن يملكونها، ومن يدفعون اجور صحفييها وعمالها، وهذا امر لا يخفى على أحد حتى ولو كانت تلك البرامج التي نراها اليوم مثلا على قناة ناشيونال جيوغرافي أو مجلتها فهي مصممة خصيصا للترويج للغرب ولإلهاء شعوب العالم خاصة العربي منه، وشكرا جزيلا اخي على هذا الموضوع لأننا بحاجة غلى مثل هذه المواضيع التي تتناول نقاط في ظاهرها إيجابية لكن ما خفي منها أعظم.

    ردحذف
  2. دائما مبدع اخي محمد.. مصادفة عثرت على مدونتك فوجتها جيدة ومفيدة وغنية بالمعلومات الثرية وساكون متابع لك ان شاء الله اخوك زياد الدوسري زميلك في الماجستير

    ردحذف