11:05 ص

إجازة بدون إجازة

ما الذي يجعل الإجازات والأسفار ممتعة ومبهجة، ويترقبها الجميع ليقضوا معها أطيب الأوقات وأجملها؟
لدي قناعة بأن الأمر لا يعود كله لتغيير المكان ولا لذات السفر، فالسفر أحياناً هو قطعة من العذاب..
وإنما كانت الإجازات ممتعة لأن نفوسنا أقبلت على الأمر بروح مختلفة، وتخلّت عن كثير من المشغلات الذهنية، والارتباطات الفعلية، وصارت مسكونة بالبحث عن المتع هنا وهناك، مما جعل النفس تطرب لكل ما ترى..
ولست أقلل من أهمية ارتياد الأماكن الرائعة، وقطع الفيافي لأجل الاستمتاع بالماء والخضرة والمعالم المختلفة، لكنني متأكد أن هناك أماكن مشابهة لما قد تزوره، وهي تقع بجوارك، ولا يتطلب الذهاب لها مسيراً طويلاً، ولا مالاً كثيراً..
غير اننا لم تذهب إليها انشغالاً بالكثير من الأعمال، فعلياً وذهنياً، ولأن الواحد منّا يشعر بأنه على رأس العمل وليس في إجازة!، فالمفترض أن لا يفكر في هذا الأمر.
ولذا يذهب بعض السوّاح إلى حديقة عامة في بلد ما، ويلبثون فيها، ويصوّرونها، ويتحدثون عنها مثنين على جمالها، وتنسيق أشجارها، وجمال ورودها، وأنها تستحق العناء في الوصول إليها، وجدير بكل زائر لتلك المدينة ألا يفوّت زيارة هذه الحديقة، ولربما كان بجوارهم وفي مدينتهم التي يقطنونها حديقة عامة لا تقل عن تلك شأنًا وجمالاً، لكنها العين التي ترى – أحياناً – حدائق الجيران أكثر اخضراراً من حدائقها.
ولو سألت أحد زائري المتاحف والمعالم التاريخية البعيدة في شتى الأمصار، هل زرت المتاحف القريبة منك، والمعالم التاريخية في بلادك لربما أجابك بالنفي!
ولو سألته، هل زرت المناطق الساحلية، والمنتجعات البحرية، والجزر الجميلة، وحدائق الحيوان، وناطحات السحاب، والفنادق الفخمة، والأسواق المحلية الشعبية، لربما أجابك بأنه لم يزرها إطلاقاً، أو زار بعضها فحسب.
ولهذا ربما رأيت أهل الجنوب يزورون الرياض ليمارسوا السياحة في أرجاء الرياض، ويستمتعوا بجوانب التميز فيها، في الوقت الذي لا يقوم أهل الرياض بمهمة الاستكشاف..
لست بصدد الحديث عن السياحة الداخلية، وعقباتها ومزاياها، ولا التزهيد في الأسفار، وإنما الذي أعنيه هو شيء مضاف، بأن نحاول - وبشكل مستمر- استقطاع سويعات من أيامنا الاعتيادية، أو نهايات الأسبوع، نترك فيها كل شيء من الأعمال والارتباطات والانشغالات، ونخصصها للاستكشاف، والنزهة القريبة، ونتعامل مع الوضع وكأننا سوّاح، نفعل فعلهم، ونتشبه بهم، نتذوق المطاعم، وتقتني بعض المشتريات، ونوثق تلك الأحداث، بل وربما سكنّا في شقة مفروشة واصطحبنا حقائبنا معنا حتى لا نعود للبيت بروتينه المعتاد.
ولسوف تجد في هذه التجربة جملة من لذائذ الإجازة دون الحاجة لأخذ إجازة، ويمكننا أن نوظّف إجازات نهايات الأسبوع وحدها لصنع ذلك.
إذاً ، فالإجازة ليست سفراً بالضرورة، وليست زيارة للأماكن البعيدة فحسب، فقد تكون متع الإجازات بجوارك دون أن تشعر، فتفقّدها وسوف ترى مايسرّك.




دمتم بخير ،،

محمد بن سعد العوشن
@binoshan


الجمعة 30 محرم - كتابة الصباح

هناك تعليقان (2):