9:32 م

سلاسل الإمداد والعمل الخيري


 في عام 2016 م انطلق مشروع رائد تحت اسم «مشروع زكاة الفطر الموحد بالمنطقة الشرقية»، شارك فيه أكثر من عشرين جمعية خيرية في سائر أنحاء المنطقة، وأشرف عليه سمو أمير المنطقة، وكانت نتائج هذا المشروع مبهرة فعلاً..

فقد استطاعت الجمعيات الخيرية من خلاله التنسيق والترتيب فيما بينها، وتوزيع الزكاة بشكل يفي باحتياجات مستفيديها، كما تم الاتفاق فيه مع سلسلة من المتاجرالمنتشرة في أنحاء المنطقة لتأمين (زكاة الفطر) بسعر منافس بسبب الكمية الضخمة المشتراة من قبل المشروع، كما أتاحت تلك المتاجر لكافة المستفيدين أن ياخذوا احتياجهم من الأرز في الوقت الذي يريدونه دون إلزامهم بأخذه مرة واحدة، أو في توقيت محدد.


فلم تعد جمعيات البر -بسبب المشروع -  بحاجة إلى مستودعات لتخزين كميات الأرز التي تصل إليها، ولم تعد بحاجة إلى فريق عمل يتولى جمع تلك الكميات المتبرع بها من المنفقين، ولم يعد هناك حاجة لفريق عمل وشاحنات تقطع المسافات الطويلة لإيصال الأرز للفقراء، بل تحولت سلسلة المتاجر إلى (مستودعات مجانية) للجمعيات، وتحول موظفي تلك المتاجر إلى مسئولين مجاناً عن توزيعه على الفقراء وقت حاجتهم.


ومع أن الجمعيات في مشروعها لذلك العام لم تستهدف على الاستحواذ على كل زكاة الفطر، بل على حصة محددة ويسيرة من مجموع زكاة الفطر بالمنطقة، إلا أن حسن توزيعها وإدارتها أدت إلى اكتفاء الفقراء التابعين لكل الجمعيات المشاركة من الأزر لمدة عام كامل.
إنه نموذج مشرف لتأثير التنسيق والتكامل في تحقيق الأهداف بأقل التكاليف، وأجود المستويات.

ورغم أن المشروع قد حقق هذا النجاح الكبير، إلا أن القائمين عليه كانوا يطمحون للمزيد، فقد كان من خططهم الحصول على أسعار أكثر انخفاضاً بالاتفاق مع كبار تجار الأرز في الدول المصدرة له كالهند وباكستان، غير أن الوقت لم يسعفهم لهذه الخطوة.

والمتأمل في هذه التجربة الناجحة، يتساءل: ما الذي يمنع من تكرار هذه التجربة في كافة الأصناف والمنتجات التي يتم شراؤها من الجمعيات بكميات كبيرة، والتي يتطلب توريدها وتخزينها وتوزيعها جهداً ومالاً يرهق كاهل الجمعية بشكل كبير.

ما الذي يمنع أن يكون توريد السلال الغذائية بالاتفاق مع كبار الموردين، للحصول على أسعار منافسة جداً، وأن يكون استلامها من المتاجر في أوقات تحددها الجمعية، وأن يتم ضبط العملية بشكل حاسوبي دقيق، وأن يكون محتوى السلة متوافقا مع عدد أفراد الأسرة، فلا زيادة عن الحاجة ولا نقصان.

ما الذي يمنع أن يكون توريد عبوات المياه للمساجد، والمرافق العامة المختلفة من خلال التعامل مع سلاسل الإمداد، بالاتفاق مع كبار المصنعين والموردين للمياه للشراء بأسعار منافسة جداً، وتزويد منتظم بكميات محدودة يومية، بل وتقسيط الدفعات المالية وفقاً لكمية الاستهلاك، بدلا من أن تتحول مساجدنا إلى مستودعات لشركات المياه تأخذ حيزاً كبيراً، وتشوه المساجد وتشغل المصلين.

والأمر نفسه يمكن أن يقال عن الأجهزة المنزلية، والبطانيات، والأدوات المدرسية، وكسوة الصيف والشتاء، والطباعة، والتأثيث، والحواسيب، وغيرها كثير.

ومع أزمة وباء كورونا فإن الحقيبة الصحية الوقائية المحتوية على مواد التعقيم والقفازات والكمامات ونحوها يمكن أن تخضع لنفس المبدأ .

ما أجمل أن يتم استثمار النجاح، وتوسيع نطاقه، وأن تكون التجارب الناجحة ملهمة لنجاحات أخرى، فيتم تعميمها على سائر منظمات القطاع الخيري، ويبدع كل فريق في الاستفادة منها حسب مجال عمله.

وإنني أشير في ختام تدوينتي هذه إلى أن ماسبق الحديث عنه هو حصيلة لنقاش جميل بناء، ومعلومات ثرية وافرة، وتجربة عملية مميزة، من الزميل اللطيف د.علي بن سليمان الفوزان (الرئيس التنفيذي لـ غزارة للاستشارات في القطاع غير الربحي)، وهو أحد أركان نجاح التجربة الرائعة التي رويتها في مدخل حديثي هذا.

وكلي أمل أن يأخذ جملة من أبطال القطاع بهذه التجربة، فيطبقوها ويطوروها، وأن يغدوا هذا أسلوب عمل واسع النطاق. 

دمتم بخير.

محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري
@bin_oshan