4:15 م

كتابة الأحلام !

 في التاسع من شهر يونيو عام 1964 كتب محمد سعيد طيب مقالة في صحيفة المدينة بعنوان (جدة تستاهل)، تحدث فيها عن الأهمية التي تحتلها مدينة جدة، وعن مقترح يراه الكاتب مهماً ومبرراً، ألا وهو : إنشاء جامعة أهلية بجدة، مشيراً إلى عدم كفاية الجامعة الحكومية التي يتم إنشاؤها في مدينة الرياض آنذاك، وتحدث طيّب عن مجموعة من المبررات لذلك الاقتراح، مردفاً ذلك بوضع آلية تحويل ذلك الحلم إلى حقيقة، من خلال تكوين لجنة من المهتمين (مفكرين ورجال أعمال)، ممن يمكنهم فعلاً إطلاق المشروع على أرض الواقع.

وكان المقال بفكرته الأولية شرارة الانطلاق نحو تأسيس جامعة جدة الأهلية، حيث لقي المقال تعاطفاً كبيراً، وتجاوباً واسعاً من مختلف شرائح المجتمع، وكان من أوائل المتفاعلين مع المقال رجل الأعمال الشيخ محمد أبوبكر باخشب والذي أعلن عن تبرعه بمليون ريال سعودي كدفعة أولى لهذه الجامعة، مبدياً استعداده لبذل المزيد إن تطلب الأمر ذلك، وكان المليون ريال في السبعينات رقماً كبيراً وصعب المنال، ثم تهافتت التبرعات لمشروع الجامعة الوليدة، تبرعاً بالفكر والرأي، وبالمال، والخبرات، والوقت، والجهد.

فتم تكوين لجنة تحضيرية بعضوية أحمد شطا وأحمد صلاح الدين وعبد الله الدباغ و محمد أبو بكر باخشب ووهيب بن زقر و محمد علي حافظ وحظي أعضاء اللجنة التحضيرية بمقابلة الملك فيصل الذي بارك المشروع، ثم شكلت اللجنة التأسيسية للجامعة برئاسة الملك، وعضوية وزير المعارف آنذاك الشيخ حسن آل الشيخ.

وتأسست الجامعة فعلياً عام 1387هـ / 1967م بصفتها جامعة أهلية، وسميت باسم (جامعة جدة الأهلية)، بعد نشر المقال بثلاث سنوات فقط، وبدأت الجامعة عامها الدراسي الأول عام ( 1388هـ – 1968م ) بـ 98 طالباً وطالبة فقط.

وبعد ثلاث سنوات أخرى، أي في عام 1391 – 1971 صدر قرار مجلس الوزراء بضمّ الجامعة إلى الدولة، وتحولت بذلك من كونها جامعة أهلية إلى جامعة حكومية، وتغير اسمها ليصبح (جامعة الملك عبدالعزيز)، وهو ما وسع نطاقها وحجمها بشكل كبير، حتى بلغ عدد طلابها في الوقت الراهن ما يزيد عن (82000) طالب وطالبة، وأكثر من 22 كلية و أكثر من 4000 عضو هيئة تدريس.

إن هذا المشروع الضخم والكبير والمؤثر، والذي كان له فضل كبير في الحالة العلمية والفكرية والتأهيل المتخصص طوال ما يزيد عن خمسين عاماً في مدينة جدة وما جاورها، كانت نتاج فكرة تحولت من ذهن صاحبها إلى مقالة يقرأها الناس، ويقيّمون مدى مناسبتها، ويتعاطفون معها.

وهو ما يؤكد دوماً أن الأفكار في الأذهان لا قيمة لها مالم تتحول في المرحلة الأولى إلى مادة مكتوبة، ثم إلى تطبيق عملي من خلال مجموعة تحمل الهم والاهتمام، وتعيش مع الفكرة، وتعمل لأجلها بكل جدّية، وحينها يمكن للأفكار أن ترى النور، وأن يتم اختبارها على أرض الواقع.

وليس شرطاً أن يكون كاتب الفكرة، ومن يقدح شرارتها منفذاً لها بالضرورة، فربما لقيت الفكرة من يعتنقها ويتفانى في خدمتها بشكل أكبر ممن كتبها أول مرة.

فقيّدوا أفكاركم ، واكتبوا خواطركم، وانثروا ما لديكم من درر، قبل أن تغادروا ، وتدفنوا، وتدفن معكم كل أفكاركم العظيمة.


دمتم بخير ،،،


محمد بن سعد بن عوشن
تم النشر في صحيفة تواصل هـــنــا

0 التعليقات:

إرسال تعليق