خداع الأرقام
في المرحلة الثانوية قررت ادارة مدرستنا تكريم المتفوقين في المدرسة.
ولأن "الدوافير" كانوا يتركزون في صفوف بعينها و "الكسالى" في صفوف أخرى..
فقد رأت إدارة المؤسسة تغيير آلية تحديد المتفوقين، طمعا في إيقاد روح التنافس بين الطلاب في كل فصل على حدة.
فأعلنت الإدارة أنها ستأخذ أفضل طالبين من كل فصل من الفصول العشرة، بغض النظر عن مجموع درجات الطالب أو مقارنتها ببقية درجات الطلاب في الفصول الأخرى.
وتم ذلك فعلا.
وأعلنت المدرسة عن قائمة الشرف،
وأقامت احتفالاً بهذه المناسبة مع بداية الفصل الدراسي الثاني.
سألت الطالب الحاصل على المركز الثاني في فصل أولى عاشر "فصل الكسالى والعرابجة حينها" عن نتيجته فأخبرني أنه راسب في مادتين .
أي حصل فيهما على أقل من 50% من الدرجة الأساسية!
لم يكن الطالب -في الحقيقة- متفوقاً .. بل هو كسول ودرجاته "على الحافّة" كما يقال . بل لقد أخفق في اثنتين من المواد عن الحافة ذاتها.
وثمة عشرات متكاثرة من الطلاب يفوقونه في التحصيل الدراسي بمراحل.
لكن السبب الرئيس الذي رفع هذا الكسول إلى لوحة الشرف، ووضع آخرين هو "منهجية الاختيار والتكريم" التي اختارتها إدارة المدرسة.
ولهذا .. فبرغم أنه في ترتيب درجاته الحقيقي يمكن أن يكون في المرتبة ( 240 من 300 طالب في الصف الأول ثانوي) إلا أن اسمه كان مكتوباً بخط جميل في لوحة الشرف الموضوعة في مدخل المدرسة شهوراً متتالية.، إضافة لتكريمه في الحفل المقام بهذه المناسبة، وبحضور مدير المدرسة ومدرسيها وسائر الطلاب.
من الخطأ الكبير أن يظن ذلك الطالب بنفسه ظناً حسناً فيما يتعلق بتحصيله الدراسي، أو يعتقد أنه في القمة أو قريب منها، إذ هو في الحقيقة في "الحضيض" أو قريباً منه.
ومن الخطأ أن يتوهم الطالب المذكور أنه من أوائل الطلاب في المدرسة أو متفوقيها، فالأمر لا يعدو في الحقيقة أن يكون أسلوباً خاطئاً في التقييم. ومنهجيّة أدت لتكريم هذا الطالب الكسول بوصفه متفوقا!
مع أن قصارى حاله أن يكون من أفضل السيئين! أوكما يقال "الأعور في ديرة العميان باشا".
هذا الخداع والتضليل الذي قامت به الأرقام حين تم توظيفها بشكل خاطئ نستخدمه نحن أحياناً !
فحين تقول قناة فضائية هادفة بأنها نالت قصب السبق وحصلت على المركز الأول في عدد المشاهدات لبثها الفضائي من خلال إحصائيات مشاهدات برنامج محدد تم بثه في 15 قناة في الوقت نفسه. مستندة في كلامها على إحصائية بعدد الاتصالات الهاتفية الواردة للبرنامج من متابعي هذه القناة مقارنة بسواها فإنها في الحقيقة تمارس تضليلاً!.
فأولاً . الاتصالات ليست بالضرورة مقياساً للمشاهدة . فالمشاهدون المكتفون بالمشاهدة دون اتصال هم الأغلبية الساحقة.
وثانياً . قد لا تكون باقي القنوات الأخرى مهتمة باستقبال الاتصال على هذا البرنامج لأن لديها عشرات البرامج الناجحة، فاكتفت بعرض البرنامج كما هو دون أن تضع خطاً هاتفياً لتلقي الاتصالات في البرنامج .
ثم إنه بالاطلاع على مجموع الاتصالات الواردة من القناة التي تزعم أنها الأولى، فستجد ان الرقم الذي حققوه هو 105 اتصال خلال عشرة أيام من البث المستمر للبرنامج.
أي 10 اتصالات يومية فقط، وهو عدد محدود لا يمكن أن تبنى على أساسه أي مقارنات ذات بال.
كما أن عدداً بهذه المحدودية يمكن أن يتم من خلال موظفي القناة - بترتيب مسبق - بهدف تحريك الجو وإثارة الحوار فحسب.
* إن الحكم بالتصدر لهذه القناة أو تلك، وإصدار الأحكام بحجم التعرض للقناة . وعدد متابعيها. وشعبيتها والنجاح الكبير والقبول الواسع الذي لقيته القناة - وفق مزاعم أهلها - لايمكن قياسه بمثل هذا الرقم الذي يشابه رقم صاحبنا الحاصل على "الثاني" في فصل أولى عاشر..
وقد اعجبني ما كتبه ا.رشود الخريف في مقال له نشره في "الاقتصادية" افتتحه بالحديث عن كتاب اجنبي بعنوان : "كيف تكذب باستخدام الإحصاء" How to Lie with Statistics،
والذي أصبح من أكثر الكتب مبيعاً خلال فترة طويلة. و هو كتاب لا يهدف لتعليم الكذب باستخدام الإحصاء بقدر ما ينبه إلى الأخطاء التي يمكن أن ترتكب بقصد أو دون قصد من خلال استخدام الإحصاء والرسوم البيانية.
واستعرض رشود الكثير من النماذج في هذا السياق تجدها هنا : " مقال الخريف ".
مع جزيل الشكر للزميل عبدالرحمن المطوع @boafnan الذي ارشدني لللمقال بعد ان فرغت من كتابة تدوينتي هذه.
كما اشكر أستاذي د.مساعد المحيا الذي ابان أن منهج الخداع بالأرقام تستخدمه الكثير من القنوات غير الهادفة.
اخيرا
يمكن للارقام أن تخدع كثيرين .
وكتبه / محمد بن سعد العوشن
10:30 ص