أعياد الأمة المرحومة
ينظر البعض إلى احتفالات الكريسمس، ورأس السنة الميلادية، ثم يعقد مقارنة جائرة بأعيادنا (عيد الفطر وعيد الأضحى)، فتراه يتحدث ويكتب ويطالب بأن نحذو حذو القوم، ونجعل العيد طربا واسع النطاق، وخروجا عن كل مألوف ليكون عيدا حقيقيا!
والحقيقة أننا امة مختلفة، فمرجعياتنا، وثقافتنا، وقدواتنا، وهويتنا، تحمل الكثير من التميز والانفراد والاختلاف.
وكان جديرا بنا أن ننظر لأولئك القوم بنظرة الرحمة والشفقة، والاستصغار في الوقت ذاته.
فحين يصفنا الله بأننا “الأعلون”، فإننا كذلك برغم كل مانحن فيه من حال التقصير والتخلف والضعف، لكننا بكل عجرنا وبجرنا .. نحن الأعلون، وهم الأدنى والأقل.
نحن أمة نؤمن بدين هو آخر الأديان السماوية ونؤمن بنبي هو خاتم الأنبياء، مع إيماننا بكل الأنبياء والرسل السابقين، ونحن أمة نملك آخر الكتب السماوية نزولا، ونحن أمة لم يحرّف كتابها المقدس خلافا لكل الكتب الأخرى التي عدلت وبدلت، وتولى التعديل رهبانهم وعلماؤهم الذين باعوا دينهم بثمن بخس، وكانوا فيه من الزاهدين.
فلذلك نحن أمة مختلفة جذريا عن باقي الأمم.
وعودة على موضوع “العيد” فإننا معاشر المسلمين إنما نقيم العيد بعد إكمال موسم طاعة مبارك، فيكون العيد في حقيقته ابتهاج بالانتصار على النفس وعلى الشيطان.
لذا كان ختام صيام رمضان وقيام لياليه، وتلاوة القرآن، وإخراج زكاة الفطر ؛ أن يفرح المسلمون وحُق لهم ذلك، ويتبادلون التبريكات والدعوات بأن يعيده الله اعواما عديدة على خير حال.
ولذا كان ختام العشر المباركة من ذي الحجة، بكل طاعاتها، وصيام عرفة او الوقوف به، واداء المناسك، و ذبح الأضاحي والهدي استجابة لأمر الله وإنفاق المال في ذلك؛ أن يفرح المسلمون في ختام ذلك الموسم المملوء بالطاعات المتتالية.
إن اعيادنا هي (احتفال بحصول الطاعات)، لذا كانت التوصية بالتزين واختيار اجمل الملابس والطيب، وإظهار البهجة من اجل الاحتفاء بهذا الإنجاز المبارك.
ولذا سمي يوم العيد عند بعضهم ب”يوم الجوائز”.
والخروج للعيد عند امة “الأعلون” لا يكون مصحوبا بالموسيقى الصاخبة، ولا التعري، ولا كفر النعمة؛ بل هو خروج مصحوب بالذكر والتكبير والتحميد وفق صيغ وتفاصيل ليس هذا موضع بسطها.
إن طقوس العيد -إن صحت التسمية – لقوم فرغوا بالأمس من سلسلة من الطاعات، واختتموا عشرا مباركات (ليالي العشر الأواخر، وايام عشر ذي الحجة) ، وذكروا الله كثيرا وهم في طريقهم لمكان الاحتفال، ثم صلوا لله صلاة العيد شكرا على أن بلغهم ذلك الموسم، ثم أنصتوا لخطيب يذكرهم بشعائر الله، ثم عاد كل واحد منهم لأهله وأقاربه وجيرانه وأصحابه متواصلا مباركا .. إن طقوس هؤلاء المنجزين مختلفة كليا عن قوم يحتفلون بمجرد تكرار هذا اليوم من كل عام، فلا يسبقونه بطاعة، وليس فيه شعيرة او نسك يتبعونه، وليس سوى إجازة عن العمل، وسعي جاد للخروج عن السائد، ومحاولة الترفيه عن النفس واستحلال المحرمات، والبحث عن السعادة المفقودة في ثنايا هذه الفعاليات.
يجب أن نكون مستحضرين دوما أننا أمة يقتدى بها، وأننا “غير”، وأن السعي لمشابهة الأعز للأذل هي نكسة حضارية، فضلا عن تبعاتها الشرعية.
إن إظهار الفرح والبهجة والسرور في العيد أمر مطلوب وبقوة، والبحث عن خيارات الترفيه “المباح” في العيد أمر إيجابي، إنه احتفال بالنجاح السابق، ووعد بالاستمرار في مسيرة النجاح.
لكن استيراد ثقافة العيد الغربي او الشرقي لعيدنا توجد لنا “مسخا”، اضاع مشيته ومشية غيره، وتجعلنا نعيش التناقض بين سلوكنا في ليالي العشر وسلوكنا في ليالي العيد!
ولهذا .. ولكي يستمر الإنجاز فقد أوصى المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد عيد الفطر بصيام ستة ايام من شوال لإثبات قرار الاستمرار على الطاعة.
وفي عيد الأضحى، جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم أيام التشريق وهي ثاني وثالث ورابع العيد “ايام أكل وشرب وذكر لله عزوجل”.
فلا يوجد في ثقافتنا الإسلامية أوقات خارج السيطرة، أو فترات للإجازة من اوامر الله، فنحن إنما نتقلب في الطاعات، وإن تنوعت أشكالها وصورها.
فهل نستشعر عزتنا وقوتنا وأصالة منهجنا في زمن العولمة وطغيان الثقافة الغربية؟
منشور بصحيفة تواصل من هنــا
محمد بن سعد العوشن
@binoshan
10:59 ص