كل شيء حلال!
ولا يزال بخير ما دام كذلك، ما لم ينتقل للضفة الأخرى التي تستبيح المحرمات، فحينها تكون الكارثة!
ثمة فرق كبير بين معرفة الحكم الشرعي، وبين القدرة على تطبيقه والالتزام به.
والعجز عن التطبيق لا يؤدي لإنكار الأصل.
فما من شك أن الصلاة والصيام والزكاة والحج واجبات شرعية ، لكن التخلف عن شيء منها لأي سبب، والتكاسل عنها .. لا تجعل المرء يبحث عن إسقاط حكم الوجوب وتغييره.
كما أن إطلاق البصر في النساء المتبرجات، الكاسيات العاريات، والحضور في اللقاءات المختلطة، والخلوة بالرجال، وشرب الدخان، فضلاً عن المسكرات والمخدرات، وتأخير الصلوات عن أوقاتها، والكذب والتطاول على أعراض الناس، ونحوها من التجاوزات التي يقع البعض فيها أو في جزء منها، كلها “محرمات” واضحة وثابتة ومتواترة، فالوقوع فيها لا يجعل المرء يبحث عمن يبيحها له!
فإن الوقوع في ذلك المحرم، أو التقصير في أداء الواجب أمر خاطئ، يوجب العقوبة بنص الشارع الحكيم، غير أن الحسنات يُذهبنّ السيئات، وقد جعل الله جملة من العبادات مكفّرات لسواهن.
وترى المسلم الواقع في تلك التجاوزات خائفاً من الله، مستغفراً من ذنبه كل مرة، يسأل الله الهداية والتوفيق، وتراه يستمع بين حين وآخر للموعظة فيرتجف لها قلبه، وتدمع عينه لما يعلم عن نفسه من تقصير.
وتراه ينظر للمعافين من ذنبه نظرة إعجاب وتقدير واحترام، لأنهم غلبوا أنفسهم الإمارة بالسوء، وأطروها على الحق أطراً، ويؤمل أن يهديه الله لذلك في قادم الأيام، وإن كان أباً وجدته حريصاً على حثّ ابنه على عدم اللحاق به في خطيئته.
كما تراه في مواسم الطاعة يقبل بكليته، ويسعى بجهده لعل الله أن يكفّر عنه سيئاته ويعظم له أجراً.
وهذا حال كل مؤمن بالله، فكلنا ذوو خطأ، ولكل منا ذنوبه التي يعلمها الله وإن جهلها الخلق وسترها الله علينا.
وإنما تكون المصيبة حين يسوّل الشيطان للعاصي أن ( يبرر ) معصيته وتقصيره، فيشكك في تحريم المعاصي أو في وجوب الواجبات.
فحينها يكون المرء انتقل انتقالاً جذرياً.
فيبدأ في إيهام نفسه أنه لم يصنع ما يوجب العقوبة أصلاً، فالأدلة غير صحيحة، أو غير صريحة، أو أن هناك من العلماء من يقول خلافاً للقول السائد، أو نحوها من المعاذير الوهمية التي تحول المرء من مستغفر لذنبه إلى مجاهر ومصرّ ومستكبر.
ويتحوّل من الوقوع المؤقت والزلات غير المنتظمة إلى استمرار وثبات وتكرار ومجاهرة.
ولا تؤنبه نفسه اللوامة، ولا تؤثر عليه الأوقات ولا الأماكن الفاضلة، كما أنه لا يستمع للموعظة، ولو استمع لها إجباراً لم يشعر أنها تخاطبه.
فلا تؤثر فيه آيات الكتاب حين يستمع إليها، ولا تحرك فيه ساكناً.
إن من أعظم البلاء أن يتحول المرء من فاعل للمنكر إلى مستبيح له، مهوّن له، ناشر للشبهات حوله، فمثل هذا يتحوّل قلبه إلى مثل الكأس المقلوب الذي لا يفلح سيل المواعظ في الولوج إليه، وكأنما ختم الله على قلبه، فيصبح ذا سمع لا يسمع به، وذا فؤاد لا يفقه به، وذا عقل لا يعقل به، عياذاً بالله.
فحذاري أيها القارئ الكريم من تبرير المنكرات، وتتبع الشطحات الفقهية، والتماس الفتاوى الشاذة، وتذكر جيداً أن الإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطّلع عليه الناس، وإن أفتوك وأفتوك.
وأن جريمة إنكار الحكم الشرعي أخطر بكثير من جرم المعصية مهما عظمت.
وأنك بهذا الصنيع إنما تخدع نفسك، أما الله فإنه يعلم السر وأخفى، ويعلم ما تُخفي الصدور.
تم النشر في صحيفة تواصل من هــنا
محمد بن سعد العوشن
@binoshan
9:27 م