وهم الأرياف
في أثناء تصفحنا لبعض الصور الجميلة للريّف بكل بساطته وجماله وتلقائيته، يردد البعض بأنه يتمنى أن ينتقل كلياً للسكن في أحد هذه الأرياف الوادعة، بعيدًا عن ضجيج المدن وزحامها وصخبها، وأنه طالما تمنى حياة الدعة والسكون، حيث لا توجد انشغالات تذهب بالأوقات ولا مسافات طويلة يتم قطعها يوميًا.
فهناك .. في الريف يمكن للمرء الاكتفاء بخضار المزرعة التي يزرعها بنفسه، والخبز الذي يصنع في البيت، يستيقظ مع الصباح الباكر ليشاهد إشراقة الشمس، ومن قبله طلوع الفجر، حيث رائحة القهوة تعمّ المكان، وزقزقة العصافير يجلب السعادة، ونقاء الأجواء يسلب الألباب.
وربما تمنى أن يأخذ حينها غنيماته ليرعى بهن، وقد خلا ذهنه من الهموم وزالت عنه الغموم.
يا سلام!
كم هي صورة مثالية متوهمة يصنعها المرء ويوهم نفسه بأن تلك الحال هي أحد أمنياته، وما ذلك إلا لأنه لا يعرف من حياة الريف سوى بعض المظاهر اليسيرة التي يراها في الصور، أو التي يجرب بعضها لأيام محدودة، يأتيها متفرغاً من أعماله، ثم يغادرها سراعاً .. فهو لا زال في سكرة الإعجاب، فحكمه غير دقيق، ومشاعره في الحقيقة غير حقيقية.
ولكي تعلم حقيقة الأمر اسأله وما الذي يمنعك من الانتقال للريف فعلاً؟ فلسوف يحاول جاهدًا اختلاق المعاذير التي تجعله غير قادر على مفارقة المدينة والابتعاد عنها، مع أن هذه الأعذار -غالبًا- مجرد أعذار متوهمة يمكن له تخطيها لو كانت العزيمة صادقة فعلاً.
حياة الريف – ياصاحبي – ليست كوخًا خشبياً متقن الشكل، وليست خيمة أو بدوي في وسط الخضرة الغناء فقط، بل هي انقطاع عن الناس، وبعد عن الخدمات، وصعوبة في التواصل الاجتماعي، وهي حياة جد وتعب وإرهاق، فالحياة في الريف أقل تنوعًا وإثارة إشباعًا للحواسّ، وكل شيء يسير في المدينة، يبدو عسير المنال في الريف.
إن حياة أهل الريف – من واقع رؤيتي لها – مشوبة بالكثير من المصاعب، التي ربما صرفت أهلها عن التمتع بتلك الجوانب التي تظهرها الصور، فهو مشغول برعي الدوابّ، وسقيها، وحلبها، وعلاجها، وحراستها، وهو مشغول بحفظ الطعام وفقاً للموارد المتاحة، وحرث الأرض، والعمل الجاد لاستصلاحها، وإصلاح مقرّ السكنى، وغيرها كثير..
ولهذا فإنه - في الأغلب - لو زالت كل الأسباب لما غادر صاحبنا مدينته إلا لماما، ليمتّع ناظريه بشيء من المناظر غير المألوفة فحسب.
وأختم تدوينتي هذه بقصّة تؤكد ذلك، وقد وقعت للوالد – حفظه الله – مع أحد جيرانه، حيث كانا يلتقيان في المسجد دوماً فيتبادلان أطراف الحديث، فكان الجار يردد على مسامع الوالد بشكل متكرر رغبته في ترك الرياض، والانتقال للمدينة النبوية، وأن تلك أمنية قديمة كانت تراوده، وأنه يوشك على القيام بذلك قريباً، فلما طال حديثه عن هذا الأمر، قال له والدي ذات مرّة : إنك لست جاداً في أمنيتك هذه، ثم أردف الوالد : انتقل للمدينة المنورة الآن، واسكن هناك، وسألتزم لك بسداد إيجار مسكنك للسنة الثانية كاملة إن كنت صادقاً.
يقول والدي : ومن ذلك اليوم المبارك، لم أعد أسمع منه ذكراً للمدينة ولا للسكنى بها قط، وباتت أحاديثنا في شؤون أخرى مختلفة.
الريف جميل للعابرين على عجل، وليس للإقامة فيه غالباً .
دمتم بخير ،،
محمد بن سعد العوشن
فهناك .. في الريف يمكن للمرء الاكتفاء بخضار المزرعة التي يزرعها بنفسه، والخبز الذي يصنع في البيت، يستيقظ مع الصباح الباكر ليشاهد إشراقة الشمس، ومن قبله طلوع الفجر، حيث رائحة القهوة تعمّ المكان، وزقزقة العصافير يجلب السعادة، ونقاء الأجواء يسلب الألباب.
وربما تمنى أن يأخذ حينها غنيماته ليرعى بهن، وقد خلا ذهنه من الهموم وزالت عنه الغموم.
يا سلام!
كم هي صورة مثالية متوهمة يصنعها المرء ويوهم نفسه بأن تلك الحال هي أحد أمنياته، وما ذلك إلا لأنه لا يعرف من حياة الريف سوى بعض المظاهر اليسيرة التي يراها في الصور، أو التي يجرب بعضها لأيام محدودة، يأتيها متفرغاً من أعماله، ثم يغادرها سراعاً .. فهو لا زال في سكرة الإعجاب، فحكمه غير دقيق، ومشاعره في الحقيقة غير حقيقية.
ولكي تعلم حقيقة الأمر اسأله وما الذي يمنعك من الانتقال للريف فعلاً؟ فلسوف يحاول جاهدًا اختلاق المعاذير التي تجعله غير قادر على مفارقة المدينة والابتعاد عنها، مع أن هذه الأعذار -غالبًا- مجرد أعذار متوهمة يمكن له تخطيها لو كانت العزيمة صادقة فعلاً.
حياة الريف – ياصاحبي – ليست كوخًا خشبياً متقن الشكل، وليست خيمة أو بدوي في وسط الخضرة الغناء فقط، بل هي انقطاع عن الناس، وبعد عن الخدمات، وصعوبة في التواصل الاجتماعي، وهي حياة جد وتعب وإرهاق، فالحياة في الريف أقل تنوعًا وإثارة إشباعًا للحواسّ، وكل شيء يسير في المدينة، يبدو عسير المنال في الريف.
إن حياة أهل الريف – من واقع رؤيتي لها – مشوبة بالكثير من المصاعب، التي ربما صرفت أهلها عن التمتع بتلك الجوانب التي تظهرها الصور، فهو مشغول برعي الدوابّ، وسقيها، وحلبها، وعلاجها، وحراستها، وهو مشغول بحفظ الطعام وفقاً للموارد المتاحة، وحرث الأرض، والعمل الجاد لاستصلاحها، وإصلاح مقرّ السكنى، وغيرها كثير..
ولهذا فإنه - في الأغلب - لو زالت كل الأسباب لما غادر صاحبنا مدينته إلا لماما، ليمتّع ناظريه بشيء من المناظر غير المألوفة فحسب.
وأختم تدوينتي هذه بقصّة تؤكد ذلك، وقد وقعت للوالد – حفظه الله – مع أحد جيرانه، حيث كانا يلتقيان في المسجد دوماً فيتبادلان أطراف الحديث، فكان الجار يردد على مسامع الوالد بشكل متكرر رغبته في ترك الرياض، والانتقال للمدينة النبوية، وأن تلك أمنية قديمة كانت تراوده، وأنه يوشك على القيام بذلك قريباً، فلما طال حديثه عن هذا الأمر، قال له والدي ذات مرّة : إنك لست جاداً في أمنيتك هذه، ثم أردف الوالد : انتقل للمدينة المنورة الآن، واسكن هناك، وسألتزم لك بسداد إيجار مسكنك للسنة الثانية كاملة إن كنت صادقاً.
يقول والدي : ومن ذلك اليوم المبارك، لم أعد أسمع منه ذكراً للمدينة ولا للسكنى بها قط، وباتت أحاديثنا في شؤون أخرى مختلفة.
الريف جميل للعابرين على عجل، وليس للإقامة فيه غالباً .
دمتم بخير ،،
محمد بن سعد العوشن
@binoshan
2:33 ص
الريف جميل للعابرين على عجل، وليس للإقامة فيه غالباً
ردحذفصحيح
جملها لنا مشاهير البرامج من سفهاء الاحلام
بحث وتعمقت في مسال الهجرة وما جملها لنا الكثير
فعلمت ان صغار العقول لا يمكن ان تاخذ منه نصيحة الا بقدر اهدافهم فقط