القــــوة الناعمـــة | تلخيص كتاب
جوزيف صموئيل ناي، الابن ( Joseph Nye) ، ولد في 19 يناير 1937م، وهو أمريكي الجنسية، وهو أستاذ العلوم السياسية وعميد سابق لمدرسة جون كينيدي الحكومية في جامعة هارفارد.أسس بالاشتراك مع روبرت كوهين ( مركز الدراسات الليبرالية الجديدة في العلاقات الدولية)، وتولى عدة مناصب رسمية، منها : مساعد وزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية في حكومة بل كلينتون، ورئيس مجلس الاستخبارات الوطني.
وقد اشتهر بابتكاره مصطلحي (القوة الناعمة) و(القوة الذكية) وشكلت مؤلفاته مصدراً رئيسياً لتطوير السياسة الخارجية الأمريكية في عهد باراك أوباما.
الكتاب:
يقع الكتاب في 257 صفحة من القطع المتوسط، وهو من ترجمة (د.محمد توفيق البجيرمي)، وتقديم د.عبدالعزيز عبدالرحمن الثنيان، والناشر له : دار العبيكان عام 2007م.
تقييم أولي :
الكتاب- خلافاً لكثير من ترجمات مكتبة العبيكان - يتسم بأسلوب سهل وواضح وممتع، كما أن المؤلف في كتابه قد ذكر الكثير من الأمثلة الواقعية التي تبيّن تأثير القوة الناعمة، وتأثير تراجعها من خلال وقائع شهيرة ومعروفة وخلال حقبة زمنية غير بعيدة، فهو كتاب واقعي بامتياز .
الفصل الأول : الطبيعة المتغيرة للقوة
تحدث المؤلف عن المقولة الشائعة لميكافيلي والموجهة للأمراء، وهي ( أن يكون المرء مخوفاً أهم من كونه محبوباً) وأبان أن هذه المقولة إن كانت مقبولة فيما سبق، غير أن الصحيح اليوم أن من المهم أن يكون المرء مخوفاً ومحبوباً في الوقت ذاته، وأن القوة لم تعد هي القوة بالأمس، فالتغييرات التي طرأت على العالم، والتقنيات الحديثة، جعلت مصطلح القوة أكثر اتساعاً ليشمل القوة "الصلبة" و القوة "الناعمة"
ولا يزال هناك من يتبنى قاعدة مفادها أن "الضعف يحرض عليك الآخرين"كما يعبّر رامسفيلد، أو كما علق أحدهم ذات يوم قائلاً "إن الناس يحبون الجواد القوي"، وهما مصيبان في هذا إلى حد ما، غير أن الضعف والقوة باتت غير محصورة في القوة العسكرية أو الجسدية.
ماهي القوة :
القوة تعتمد دائما على السياق ، ولذا فقد تكون قوة النفوذ وقوة التأثير تحقق للمرء مايريد دون أن يكون له قوة ملموسة كبيرة على الاخرين، ومن هذا يفهم كيف أن توجيهات وتعليمات بعض القادة الدينين لها قوة كبيرة رغم افتقارهم للقوة بمفهومها الصلب.
بل إن بعض ممتلكي القوة الصلبة يعجزون -رغم توفر الموارد لهم - عن تحقيق مراداتهم على أرض الواقع لأن القوة الصلبة ليست كل شيء، ولا يمكن أن تدخل لكل شيء.
وقبل أن تحكم من هو الذي سيستفيد من موارده (القوية) يجب أن تعرف ماهي اللعبة أو المعركة.
مصطلح القوة الناعمة:
هي "القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلا من الإرغام أو دفع الأموال"
فهي تختلف عن القوة الصلبة المكونة من العتاد العسكري والثراء الاقتصادي، واللذان يمكن استخدامهما وبالتهديد بالعقوبات أو الاستمالة بالمساعدات.
ومعنى أن تمتلك كفرد أو منظمة أو دولة قوة ناعمة يعني أن تجعل الآخرين يعجبون بك ويتطلعون إلى ماتقوم به، فيتخذون موقفًا إيجابيًا من القيم و الأفكار الخاصة بك، وبالتالي تتفق رغبتهم مع رغبتك دون أي إلزام، فهي قدرة على التأثير في سلوك الآخرين للقيام بعملٍ يتفق مع ما تريده.
وفي المجال السياسي، فالقوة السياسية الناعمة هي أن يكون لبلد ما تأثير في السياسة الدولية لا بقوته العسكرية والاقتصادية بل لأن هناك بلدانا أخرى معجبة به، وبمسيرته، وتحذو حذوه، وتتطلع إلى مستواه من الازدهار والانفتاح وتريد بناء على ذلك أن تتّبعه في مواقفه المختلفة.
وهذه القوة تعتمد على الثقافة، و المبادئ السياسية، والسياسات المتبعة.
و إذا تمكنت من إقناع الآخرين بأن يريدوا ما تريد، فلن تضطر إلى إنفاق الكثير بتطبيق مبدأ العصا والجزرة لتحريك الآخرين في الاتجاه الذي تريد، والذي يحقق أهدافك ومصالحك.
ولعل التأمل في التأثير الذي تملكه بعض دول العالم – النرويج مثالا – يوضح كيف تكون لاعباً مؤثراً ومقبولاً مع أنها لا تمتلك قوة عسكرية أو اقتصادية كبيرة، إلا أنها تتمتع بقوة ناعمة بسبب مشاركتها في قضايا عالمية جاذبة مثل محادثات السلام ومبادرات الحفاظ على البيئة ومكافحة الأمراض والأوبئة.
والقوة الناعمة ليست ضعفاً، بل على العكس من ذلك، فإن الفشل في استخدام القوة الناعمة بشكل فعّال هو السبب وراء ضعف أميركا في كفاحها ضد الإرهاب.
أما القوة الصلبة التي تعتمد على الإكراه، فهي مستمدة من القوة العسكرية والاقتصادية، وتظل لهذه القوة أهميتها الحاسمة في عالم توجد فيه العديد من الدول التي تكرر تهديداتها لدول أخرى، ويحفل العالم اليوم كذلك بعدد من المنظمات الإرهابية من مختلف الإيديولوجيات، وحتى في هذه الحالة فالقوة الناعمة ستكتسب المزيد من الأهمية لكونها ستمنع الإرهابيين من تجنيد المزيد من الأنصار الجدد، وستدفع لتحقيق التعاون الدولي الضروري لمواجهة الإرهاب وتجميد أصوله والتضييق عليه.
الفصل الثاني: مصادر القوة الأمريكية الناعمة
من منطلق المصادر التي يمكن أن تكون محل إعجاب واقتداء من الغير، فإن ثمة مصادر ثرية للقوة الناعمة الأميركية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
- تعتبر أكبر مصدّر للأفلام والبرامج التليفزيونية في العالم.
- يوجد بها أكثر من 86000 باحث أجنبي.
- تحتل المرتبة الأولى في الفوز بجوائز نوبل في الفيزياء والكيمياء والاقتصاد.
- تنشر كتباً أكثر من أي بلد في العالم .
- يوجد بها 62% من أهم العلامات التجارية في العالم.
- يوجد بها 28% من جميع الطلاب الدارسين خارج بلادهم.
- هي أكثر دولة تستقطب المهاجرين.
وكما أن هذه الأشياء تعتبر مصادر لتعزيز القوة الناعمة وتقوية تأثيرها على نطاق واسع، إلا أن السلوكيات السياسية من شأنها أن تضرّ كثيراً بهذه المصادر، وتقلل تأثيرها الفعال بشكل مؤقت أو دائم ، إذ أنه رغم الإعجاب العالمي بعلوم أمريكا وأفلامها وموسيقاها وتقنياتها المتقدمة، إلا أنها خسرت الكثير من جاذبيتها في حرب فيتنام، وفي حرب الخليج الثانية (غزو العراق عام 2003).
يقول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن بأول مؤكداً على أهمية أحد هذه المصادر :
(لا أستطيع أن أفكر في رصيد لبلدنا أثمن من صداقة قادة عالم المستقبل الذين تلقوا تعليمهم هنا، ذلك أن الطلبة الدوليين يعودون إلى أوطانهم في العادة بتقدير أكبر للقيم والمؤسسات الأمريكية)
ويعتبر المؤلف أن ملايين الذين درسوا في الولايات المتحدة الأمريكية على مدى السنوات الماضة يشكّلون خزاناً رائعاً للنوايا الحسنة تجاه أمريكا، وخاصة أن كثيراً من هؤلاء الطلبة ينتهي بهم الأمر إلى الوصول إلى مراكز يستطيعون من خلالها التأثير على نتائج السياسة التي تهم أمريكا.
وما من شكّ أن للثقافة النخبوية دور كبير في إنتاج القوة الناعمة، فالمبادلات الأكاديمية والعلمية بين أمريكا والدول المختلفة أحدث تغييراً في التفكير، وقد تأثر كثير من العلماء السوفييت الذين زاروا أمريكا بالأفكار الأميركية، وأصبحوا ناشطين في حركات حقوق الإنسان في الاتحاد السوفييتي بعد تلك الزيارات المتبادلة.
بل إن الثقافة الشعبية المتمثلة في الأفلام والأغاني والرياضة وما إلى ذلك مما يبثّ معه القيم الأميركية حتى وإن بدت سطحية ومبتذلة تحدث تأثيراً غير يسير، ولا يمكن التقليل من تأثير "هوليوود" الكبير، فالصور المتحركة، والثابتة تنقل من القيم ما لا تنقله الكلمات، فهوليود باتت أكبر مروّج ومصدّر للرموز البصرية.
وكانت هذه الثقافة الشعبية قد استطاعت التغلب على المدّ الشيوعي، وأفلحت في الترويج لقيم الحرية والديمقراطية والليبرالية، وهذه الثقافة هي التي اخترقت جدار برلين من خلال التلفاز والأفلام السينمائية بكل نعومة قبل زمن طويل من تاريخ سقوطه عام 1989م ، أي قبل أن تعمل المطارق والجرافات لهدم السور كانت الكثير من الصور المتحركة والثابتة والمعلومات والأخبار عن الثقافة الشعبية للغرب قد اخترقته.
الفصل الثالث : قوة الآخرين الناعمة
تحدث المؤلف في هذا الفصل عن كون القوة الناعمة ليست حصرية على الولايات المتحدة، فأمريكا ليست الرائدة في كل نوعٍ من مصادر القوة الناعمة، فالاتحاد السوفييتي كان له تأثير كبير على تقوّيه الأحزاب الشيوعية في مختلف مناطق العالم، وكان ينفق كثيرًا لنشر ثقافته وفنونه ويشارك في القضايا الإنسانية الجذابة، إضافة إلى تقدمه العلمي الكبير.
أما أوروبا، فهي المنافس الحالي الأقوى من حيث الفنون والآداب والأزياء والأطعمة الأوروبية التي تتمتع بجاذبية عالمية طاغية، كما أن الدول الأوروبية تحتل المراكز الخمسة الأولى في عدد جوائز نوبل في الأدب، والمراكز العليا في مبيعات المؤلفات الموسيقية ونشر الكتب.
هذا وتنفق جميع الدول الأوروبية أكثر مما تنفقه أميركا على مساعدات التنمية الدولية والدبلوماسية العامة، بالإضافة إلى جاذبية أوروبا كونها تميل للسلم وتدافع عن قضايا حقوق الإنسان وحفظ البيئة وغير ذلك، وكونها ذات خبرة أكبر وأفضل من أميركا في إدارة المؤسسات متعددة الجنسيات.
وأما المنافسون الأخر، فمنهم دول آسيا وخاصة اليابان التي لها قوة ناعمة كبيرة بسبب كونها صاحبة أكثر براءات اختراع في العالم، ورائدة الصور المتحركة وألعاب الفيديو، واحتلالها المركز الثاني في بيع الكتب والموسيقى وصادرات التقنية العليا واستضافة المواقع الإلكترونية، مع الإشارة إلى المستقبل الباهر الذي ينتظر الصين والهند.
ولا يقتصر تأثير القوة الناعمة على الدول فحسب، فإن المؤسسات غير الحكومية التي تعمل على مستوى العالم كله تتمتع بقوة ناعمة كبيرة، ومثالها : المنظمات الحقوقية والشركات عابرة القومية، خاصة وأنها تستفيد الآن من الثورة المعلوماتية والاتصالات في تحقيق التأثير والجاذبية مع قوة مالية أقل.
كما أن مجموعات المغتربين الإثنية على شبكة الإنترنت أمكنها ان تشكل قوة ناعمة في دولها، من خلال التواصل وتقديم نماذج للاحتذاء.
وبطبيعة الحال فإن ما كان جاذباً لفئام من الناس قد يكون مصدر تنفير لفئام أخرى، فما تطرحه أمريكا من ثقافة شعبية تعتبره بعض الشعوب انحطاطاً وتدنياً، وما ينال إعجاب بعض العوام من قيادات التطرف، قد يكون محل سخط وكراهية من غيرهم.
الفصل الرابع : البراعة في استخدام القوة الناعمة
تحدّث المؤلف في هذا الفصل عن ( إتقان ) استخدام القوة الناعمة، ومثّل لذلك بصنيع (فرنسا) حين نشرت لغتها وآدابها خارج حدودها في القرن السابع عشر و الثامن عشر ، وحين انزاح الاستعمار الفرنسي، حرص الفرنسيون على إيجاد تحالف يضم تلك الدول بهدف الاستمرار في التأثير الناعم عليها
كما أشار إلى صنيع الاتحاد السوفيتي الذي بذل جهوداً كبرى لصناعة صورة إيجابية عن الشيوعية، والتبشير بها، وفي المقابل تشويه صورة الديموقراطية، وقد أثرت تلك الصور الخادعة على جماهير المستضعفين في العالم، ليشكلوا تجمعات بشرية مناهضة للديموقراطية، وكذلك فعلت ألمانيا في عهد النازية.
وفي الوقت الحالي، تقوم الكثير من الدول في العالم بالتواصل المباشر مع شعوب الأرض من خلال الإذاعات، والقنوات، والمواقع الإلكترونية، والفعاليات، والمنح الدراسية.
وتحدّث عن أهمية أن يعطى الأمر حقه من الاهتمام، وأن أمريكا قد أنشات مجلس حكّام للإذاعة مكون من الحزبين (الجمهوري والديموقراطي) وذلك لضمان استقرار وثبات الأداء في القوة الناعمة، وعدم خضوع هذا المدّ التأثيري لنتائج الانتخابات الرئاسية كل أربع سنوات.
غير أن المؤلف أشار إلى أن الاهتمام بالقوة الناعمة من خلال الأدوات المختلفة، والإعلامي منها خصوصاً كان مضطرباً وفقاً لكل فترة رئاسية، فكان يتعرض بين حين وآخر لتقليص موارده مع تضخم المخصصات للقوة الصلبة ، مشيراً إلى أنه في عام 2003 كان لدى هيئة الإذاعة البريطانية نحو 150 مليون مستمع أسبوعيا، بينما كان مستمعوا (صوت أمريكا) أقل من 100 مليون!
وتحدّث عن أن الدبلوماسية العامة (القوة الناعمة) لها ثلاثة أبعاد، وهي:
البعد الأول : وهو الأكثر مباشرة (الاتصالات اليومية) ، ويقصد به سهولة الحصول على المعلومات والإجابة على التساؤلات، وتوضيح القرارات محليا ودولياً ، بالإضافة إلى الجاهزية للتعامل مع الأزمات حين حدوثها، والرد الفوري على الاتهامات والمزاعم فور ورودها.
البعد الثاني : الاتصال الاستراتيجي، وهو الذي يتم فيه تطوير مجموعة من المواضيع البسيطة، بإبراز موضوعات وأحداث وفعاليات كحملات الإعلامية سياسية دعائية مركزة ، ويهدف ذلك الاتصال إلى إحداث تأثير طويل المدى وتدريجي على الرأي العام أو على النخب لاتخاذ موقف مع أو ضد شيء محدد.
البعد الثالث : تطوير علاقات دائمة مع أشخاص أساسيين على مدى سنوات طويلة، وذلك عن طريق الزمالات، والمنح الدراسية، والتدريب والندوات والمؤتمرات والنفاذ إلى وسائل الإعلام المحلية، مما يحقق ان يسير الناس على النهج الأمريكي دوما، ويتبنونه بأنفسهم.
كما خصص المؤلف جزءا من هذا الفصل للحديث عن الشرق الأوسط والمصاعب التي تواجه أمريكا فيه، ومايواجه القوة الناعمة الحالية من تحديات، لأسباب عديدة منها الفوارق الثقافية الكبيرة بين أمريكا والشرق الأوسط، ونزعة العداء لأميركا. ومع ذلك تحدث المؤلف عن جوانب كثيرة من الثقافة الأميركية يحبها الشرق الأوسط غير أن أمريكا فرّطت فيها، مشيراً إلى أن لجنة استشارية طرحت بعض التوصيات لزيادة قوة أميركا الناعمة في البلاد العربية الإسلامية مثل إنشاء المكتبات وترجمة الكتب الغربية إلى العربية وزيادة المنح الدراسية والزيارات الأكاديمية، قائلاً : (إن أكثر الناطقين باسم أميركا فاعلية وتأثيرًا ليسوا هم الأميركيين، بل وكلاؤهم المحليون من أهل البلاد الأصليين الذين يفهمون فضائل أميركا وعيوبها كذلك)!
الفصل الخامس : القوة الناعمة وسياسة أمريكا الخارجية
تحدث المؤلف في هذا الفصل عن العلاقة بين السياسة الخارجية الأميركية من جهة، والقوة الناعمة من جهة أخرى، مشيراً إلى أن هذه السياسة "المكروهة" أدت إلى انحدار القوة الناعمة وتناقص أثر الثقافة الشعبية الأميركية في العالم في مقابل تزايد الإقبال على الثقافات الأخرى والفاعلين الآخرين،
وأشار إلى أن حرب الأسابيع الأربعة في العراق في 2003 كانت استعراضاً مبهراً لقوة أمريكا العسكرية التي نجحت في إقصاء طاغية كبير، لكنها لم تنجح في جعل أميركا حصينة ضد الإرهاب. كما أنها كانت باهظة التكاليف فيما يتعلق بقدرة الأمريكان على جذب الآخرين بالقوة الناعمة، حيث أنه في أعقاب تلك الحرب أظهرت استطلاعات الرأي تدنياً هائلاً في شعبية الولايات المتحدة حتى في دول مثل بريطانيا وأسبانيا وإيطاليا، التي أيدت حكوماتها تلك الحرب. كما وصلت شعبية أميركا إلى الحضيض في الدول الإسلامية التي تحتاج إلى دعمها من أجل المساعدة في تعقب الإرهابيين والأموال الملوثة والأسلحة الخطيرة.
وقد حذر المؤلف من تجاهل القوة الناعمة وتعجب من أن أمريكا تنفق على القوة العسكرية أكثر من القوة الناعمة بسبعة عشر ضعفاً .
وتحدث عن النجاح في استخدام القوة الناعمة إبان الحرب الباردة، حيث نجحت استراتيجية الاحتواء التي انتهجها الغرب في الجمع بين القوة العاتية المتمثلة في الردع العسكري، وبين القوة الناعمة التي تمثلت في اجتذاب الناس خلف الستار الحديدي.
ومن خلال ذلك نجح الغرب في تدمير الثقة السوفييتية باستخدام الإذاعات المختلفة، ومن خلال التبادل الطلابي والثقافي، والنجاح الذي حققه الاقتصاد الرأسمالي. وكما شهد لاحقاً أحد العملاء السابقين بهيئة الاستخبارات السوفيتية (كي بي جي) بقوله : (كانت عمليات التبادل الثقافي بمثابة حصان طروادة بالنسبة للاتحاد السوفييتي. فقد لعبت دوراً هائلاً في تآكل النظام السوفييتي). وبعد تقاعد الرئيس الأميركي "دوايت ايزنهاور" قال إنه كان ينبغي عليه أن يستقطع المال من ميزانية الدفاع لاستخدامه في تقوية وكالة الاستخبارات.
مع نهاية الحرب الباردة أصبح الأميركيون أكثر اهتماماً بالتوفير في الميزانية بدلاً من الاستثمار في القوة الناعمة.
ففي عام 2003 ذكرت مجموعة استشارية مكونة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في تقرير لها: أن الولايات المتحدة تنفق على الدبلوماسية العامة في الدول الإسلامية ما لا يزيد على 150 مليون دولار، وهو مبلغ وصفه التقرير بأنه غير لائق إلى حد فاضح.
وكان إجمالي إنفاق وزارة الخارجية على برامج الدبلوماسية العامة وكل إذاعات أمريكا الدولية ما يزيد بقليل على بليون دولار، وهو تقريباً نفس المبلغ الذي تنفقه بريطانيا أو فرنسا، وهما دولتان تمثلان خُمس حجم أميركا ولا تزيد ميزانية الدفاع لديهما عن 25% من ميزانية الدفاع الأميركية.
وتنفق الولايات المتحدة على القوة الصلبة أربعمائة ضعف (400) ما تنفقه على القوة الناعمة. أي أن الولايات المتحدة إذا أنفقت 1% فقط من ميزانيتها العسكرية على القوة الناعمة، فهي بهذا تضاعف إنفاقها الحالي على هذا العنصر الأساسي في الحرب ضد الإرهاب إلى أربعة أضعاف.
وقد اشتهر بابتكاره مصطلحي (القوة الناعمة) و(القوة الذكية) وشكلت مؤلفاته مصدراً رئيسياً لتطوير السياسة الخارجية الأمريكية في عهد باراك أوباما.
الكتاب:
يقع الكتاب في 257 صفحة من القطع المتوسط، وهو من ترجمة (د.محمد توفيق البجيرمي)، وتقديم د.عبدالعزيز عبدالرحمن الثنيان، والناشر له : دار العبيكان عام 2007م.
تقييم أولي :
الكتاب- خلافاً لكثير من ترجمات مكتبة العبيكان - يتسم بأسلوب سهل وواضح وممتع، كما أن المؤلف في كتابه قد ذكر الكثير من الأمثلة الواقعية التي تبيّن تأثير القوة الناعمة، وتأثير تراجعها من خلال وقائع شهيرة ومعروفة وخلال حقبة زمنية غير بعيدة، فهو كتاب واقعي بامتياز .
الفصل الأول : الطبيعة المتغيرة للقوة
تحدث المؤلف عن المقولة الشائعة لميكافيلي والموجهة للأمراء، وهي ( أن يكون المرء مخوفاً أهم من كونه محبوباً) وأبان أن هذه المقولة إن كانت مقبولة فيما سبق، غير أن الصحيح اليوم أن من المهم أن يكون المرء مخوفاً ومحبوباً في الوقت ذاته، وأن القوة لم تعد هي القوة بالأمس، فالتغييرات التي طرأت على العالم، والتقنيات الحديثة، جعلت مصطلح القوة أكثر اتساعاً ليشمل القوة "الصلبة" و القوة "الناعمة"
ولا يزال هناك من يتبنى قاعدة مفادها أن "الضعف يحرض عليك الآخرين"كما يعبّر رامسفيلد، أو كما علق أحدهم ذات يوم قائلاً "إن الناس يحبون الجواد القوي"، وهما مصيبان في هذا إلى حد ما، غير أن الضعف والقوة باتت غير محصورة في القوة العسكرية أو الجسدية.
ماهي القوة :
القوة تعتمد دائما على السياق ، ولذا فقد تكون قوة النفوذ وقوة التأثير تحقق للمرء مايريد دون أن يكون له قوة ملموسة كبيرة على الاخرين، ومن هذا يفهم كيف أن توجيهات وتعليمات بعض القادة الدينين لها قوة كبيرة رغم افتقارهم للقوة بمفهومها الصلب.
بل إن بعض ممتلكي القوة الصلبة يعجزون -رغم توفر الموارد لهم - عن تحقيق مراداتهم على أرض الواقع لأن القوة الصلبة ليست كل شيء، ولا يمكن أن تدخل لكل شيء.
وقبل أن تحكم من هو الذي سيستفيد من موارده (القوية) يجب أن تعرف ماهي اللعبة أو المعركة.
مصطلح القوة الناعمة:
هي "القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلا من الإرغام أو دفع الأموال"
فهي تختلف عن القوة الصلبة المكونة من العتاد العسكري والثراء الاقتصادي، واللذان يمكن استخدامهما وبالتهديد بالعقوبات أو الاستمالة بالمساعدات.
ومعنى أن تمتلك كفرد أو منظمة أو دولة قوة ناعمة يعني أن تجعل الآخرين يعجبون بك ويتطلعون إلى ماتقوم به، فيتخذون موقفًا إيجابيًا من القيم و الأفكار الخاصة بك، وبالتالي تتفق رغبتهم مع رغبتك دون أي إلزام، فهي قدرة على التأثير في سلوك الآخرين للقيام بعملٍ يتفق مع ما تريده.
وفي المجال السياسي، فالقوة السياسية الناعمة هي أن يكون لبلد ما تأثير في السياسة الدولية لا بقوته العسكرية والاقتصادية بل لأن هناك بلدانا أخرى معجبة به، وبمسيرته، وتحذو حذوه، وتتطلع إلى مستواه من الازدهار والانفتاح وتريد بناء على ذلك أن تتّبعه في مواقفه المختلفة.
وهذه القوة تعتمد على الثقافة، و المبادئ السياسية، والسياسات المتبعة.
و إذا تمكنت من إقناع الآخرين بأن يريدوا ما تريد، فلن تضطر إلى إنفاق الكثير بتطبيق مبدأ العصا والجزرة لتحريك الآخرين في الاتجاه الذي تريد، والذي يحقق أهدافك ومصالحك.
ولعل التأمل في التأثير الذي تملكه بعض دول العالم – النرويج مثالا – يوضح كيف تكون لاعباً مؤثراً ومقبولاً مع أنها لا تمتلك قوة عسكرية أو اقتصادية كبيرة، إلا أنها تتمتع بقوة ناعمة بسبب مشاركتها في قضايا عالمية جاذبة مثل محادثات السلام ومبادرات الحفاظ على البيئة ومكافحة الأمراض والأوبئة.
والقوة الناعمة ليست ضعفاً، بل على العكس من ذلك، فإن الفشل في استخدام القوة الناعمة بشكل فعّال هو السبب وراء ضعف أميركا في كفاحها ضد الإرهاب.
أما القوة الصلبة التي تعتمد على الإكراه، فهي مستمدة من القوة العسكرية والاقتصادية، وتظل لهذه القوة أهميتها الحاسمة في عالم توجد فيه العديد من الدول التي تكرر تهديداتها لدول أخرى، ويحفل العالم اليوم كذلك بعدد من المنظمات الإرهابية من مختلف الإيديولوجيات، وحتى في هذه الحالة فالقوة الناعمة ستكتسب المزيد من الأهمية لكونها ستمنع الإرهابيين من تجنيد المزيد من الأنصار الجدد، وستدفع لتحقيق التعاون الدولي الضروري لمواجهة الإرهاب وتجميد أصوله والتضييق عليه.
الفصل الثاني: مصادر القوة الأمريكية الناعمة
من منطلق المصادر التي يمكن أن تكون محل إعجاب واقتداء من الغير، فإن ثمة مصادر ثرية للقوة الناعمة الأميركية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
- تعتبر أكبر مصدّر للأفلام والبرامج التليفزيونية في العالم.
- يوجد بها أكثر من 86000 باحث أجنبي.
- تحتل المرتبة الأولى في الفوز بجوائز نوبل في الفيزياء والكيمياء والاقتصاد.
- تنشر كتباً أكثر من أي بلد في العالم .
- يوجد بها 62% من أهم العلامات التجارية في العالم.
- يوجد بها 28% من جميع الطلاب الدارسين خارج بلادهم.
- هي أكثر دولة تستقطب المهاجرين.
وكما أن هذه الأشياء تعتبر مصادر لتعزيز القوة الناعمة وتقوية تأثيرها على نطاق واسع، إلا أن السلوكيات السياسية من شأنها أن تضرّ كثيراً بهذه المصادر، وتقلل تأثيرها الفعال بشكل مؤقت أو دائم ، إذ أنه رغم الإعجاب العالمي بعلوم أمريكا وأفلامها وموسيقاها وتقنياتها المتقدمة، إلا أنها خسرت الكثير من جاذبيتها في حرب فيتنام، وفي حرب الخليج الثانية (غزو العراق عام 2003).
يقول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن بأول مؤكداً على أهمية أحد هذه المصادر :
(لا أستطيع أن أفكر في رصيد لبلدنا أثمن من صداقة قادة عالم المستقبل الذين تلقوا تعليمهم هنا، ذلك أن الطلبة الدوليين يعودون إلى أوطانهم في العادة بتقدير أكبر للقيم والمؤسسات الأمريكية)
ويعتبر المؤلف أن ملايين الذين درسوا في الولايات المتحدة الأمريكية على مدى السنوات الماضة يشكّلون خزاناً رائعاً للنوايا الحسنة تجاه أمريكا، وخاصة أن كثيراً من هؤلاء الطلبة ينتهي بهم الأمر إلى الوصول إلى مراكز يستطيعون من خلالها التأثير على نتائج السياسة التي تهم أمريكا.
وما من شكّ أن للثقافة النخبوية دور كبير في إنتاج القوة الناعمة، فالمبادلات الأكاديمية والعلمية بين أمريكا والدول المختلفة أحدث تغييراً في التفكير، وقد تأثر كثير من العلماء السوفييت الذين زاروا أمريكا بالأفكار الأميركية، وأصبحوا ناشطين في حركات حقوق الإنسان في الاتحاد السوفييتي بعد تلك الزيارات المتبادلة.
بل إن الثقافة الشعبية المتمثلة في الأفلام والأغاني والرياضة وما إلى ذلك مما يبثّ معه القيم الأميركية حتى وإن بدت سطحية ومبتذلة تحدث تأثيراً غير يسير، ولا يمكن التقليل من تأثير "هوليوود" الكبير، فالصور المتحركة، والثابتة تنقل من القيم ما لا تنقله الكلمات، فهوليود باتت أكبر مروّج ومصدّر للرموز البصرية.
وكانت هذه الثقافة الشعبية قد استطاعت التغلب على المدّ الشيوعي، وأفلحت في الترويج لقيم الحرية والديمقراطية والليبرالية، وهذه الثقافة هي التي اخترقت جدار برلين من خلال التلفاز والأفلام السينمائية بكل نعومة قبل زمن طويل من تاريخ سقوطه عام 1989م ، أي قبل أن تعمل المطارق والجرافات لهدم السور كانت الكثير من الصور المتحركة والثابتة والمعلومات والأخبار عن الثقافة الشعبية للغرب قد اخترقته.
الفصل الثالث : قوة الآخرين الناعمة
تحدث المؤلف في هذا الفصل عن كون القوة الناعمة ليست حصرية على الولايات المتحدة، فأمريكا ليست الرائدة في كل نوعٍ من مصادر القوة الناعمة، فالاتحاد السوفييتي كان له تأثير كبير على تقوّيه الأحزاب الشيوعية في مختلف مناطق العالم، وكان ينفق كثيرًا لنشر ثقافته وفنونه ويشارك في القضايا الإنسانية الجذابة، إضافة إلى تقدمه العلمي الكبير.
أما أوروبا، فهي المنافس الحالي الأقوى من حيث الفنون والآداب والأزياء والأطعمة الأوروبية التي تتمتع بجاذبية عالمية طاغية، كما أن الدول الأوروبية تحتل المراكز الخمسة الأولى في عدد جوائز نوبل في الأدب، والمراكز العليا في مبيعات المؤلفات الموسيقية ونشر الكتب.
هذا وتنفق جميع الدول الأوروبية أكثر مما تنفقه أميركا على مساعدات التنمية الدولية والدبلوماسية العامة، بالإضافة إلى جاذبية أوروبا كونها تميل للسلم وتدافع عن قضايا حقوق الإنسان وحفظ البيئة وغير ذلك، وكونها ذات خبرة أكبر وأفضل من أميركا في إدارة المؤسسات متعددة الجنسيات.
وأما المنافسون الأخر، فمنهم دول آسيا وخاصة اليابان التي لها قوة ناعمة كبيرة بسبب كونها صاحبة أكثر براءات اختراع في العالم، ورائدة الصور المتحركة وألعاب الفيديو، واحتلالها المركز الثاني في بيع الكتب والموسيقى وصادرات التقنية العليا واستضافة المواقع الإلكترونية، مع الإشارة إلى المستقبل الباهر الذي ينتظر الصين والهند.
ولا يقتصر تأثير القوة الناعمة على الدول فحسب، فإن المؤسسات غير الحكومية التي تعمل على مستوى العالم كله تتمتع بقوة ناعمة كبيرة، ومثالها : المنظمات الحقوقية والشركات عابرة القومية، خاصة وأنها تستفيد الآن من الثورة المعلوماتية والاتصالات في تحقيق التأثير والجاذبية مع قوة مالية أقل.
كما أن مجموعات المغتربين الإثنية على شبكة الإنترنت أمكنها ان تشكل قوة ناعمة في دولها، من خلال التواصل وتقديم نماذج للاحتذاء.
وبطبيعة الحال فإن ما كان جاذباً لفئام من الناس قد يكون مصدر تنفير لفئام أخرى، فما تطرحه أمريكا من ثقافة شعبية تعتبره بعض الشعوب انحطاطاً وتدنياً، وما ينال إعجاب بعض العوام من قيادات التطرف، قد يكون محل سخط وكراهية من غيرهم.
الفصل الرابع : البراعة في استخدام القوة الناعمة
تحدّث المؤلف في هذا الفصل عن ( إتقان ) استخدام القوة الناعمة، ومثّل لذلك بصنيع (فرنسا) حين نشرت لغتها وآدابها خارج حدودها في القرن السابع عشر و الثامن عشر ، وحين انزاح الاستعمار الفرنسي، حرص الفرنسيون على إيجاد تحالف يضم تلك الدول بهدف الاستمرار في التأثير الناعم عليها
كما أشار إلى صنيع الاتحاد السوفيتي الذي بذل جهوداً كبرى لصناعة صورة إيجابية عن الشيوعية، والتبشير بها، وفي المقابل تشويه صورة الديموقراطية، وقد أثرت تلك الصور الخادعة على جماهير المستضعفين في العالم، ليشكلوا تجمعات بشرية مناهضة للديموقراطية، وكذلك فعلت ألمانيا في عهد النازية.
وفي الوقت الحالي، تقوم الكثير من الدول في العالم بالتواصل المباشر مع شعوب الأرض من خلال الإذاعات، والقنوات، والمواقع الإلكترونية، والفعاليات، والمنح الدراسية.
وتحدّث عن أهمية أن يعطى الأمر حقه من الاهتمام، وأن أمريكا قد أنشات مجلس حكّام للإذاعة مكون من الحزبين (الجمهوري والديموقراطي) وذلك لضمان استقرار وثبات الأداء في القوة الناعمة، وعدم خضوع هذا المدّ التأثيري لنتائج الانتخابات الرئاسية كل أربع سنوات.
غير أن المؤلف أشار إلى أن الاهتمام بالقوة الناعمة من خلال الأدوات المختلفة، والإعلامي منها خصوصاً كان مضطرباً وفقاً لكل فترة رئاسية، فكان يتعرض بين حين وآخر لتقليص موارده مع تضخم المخصصات للقوة الصلبة ، مشيراً إلى أنه في عام 2003 كان لدى هيئة الإذاعة البريطانية نحو 150 مليون مستمع أسبوعيا، بينما كان مستمعوا (صوت أمريكا) أقل من 100 مليون!
وتحدّث عن أن الدبلوماسية العامة (القوة الناعمة) لها ثلاثة أبعاد، وهي:
البعد الأول : وهو الأكثر مباشرة (الاتصالات اليومية) ، ويقصد به سهولة الحصول على المعلومات والإجابة على التساؤلات، وتوضيح القرارات محليا ودولياً ، بالإضافة إلى الجاهزية للتعامل مع الأزمات حين حدوثها، والرد الفوري على الاتهامات والمزاعم فور ورودها.
البعد الثاني : الاتصال الاستراتيجي، وهو الذي يتم فيه تطوير مجموعة من المواضيع البسيطة، بإبراز موضوعات وأحداث وفعاليات كحملات الإعلامية سياسية دعائية مركزة ، ويهدف ذلك الاتصال إلى إحداث تأثير طويل المدى وتدريجي على الرأي العام أو على النخب لاتخاذ موقف مع أو ضد شيء محدد.
البعد الثالث : تطوير علاقات دائمة مع أشخاص أساسيين على مدى سنوات طويلة، وذلك عن طريق الزمالات، والمنح الدراسية، والتدريب والندوات والمؤتمرات والنفاذ إلى وسائل الإعلام المحلية، مما يحقق ان يسير الناس على النهج الأمريكي دوما، ويتبنونه بأنفسهم.
كما خصص المؤلف جزءا من هذا الفصل للحديث عن الشرق الأوسط والمصاعب التي تواجه أمريكا فيه، ومايواجه القوة الناعمة الحالية من تحديات، لأسباب عديدة منها الفوارق الثقافية الكبيرة بين أمريكا والشرق الأوسط، ونزعة العداء لأميركا. ومع ذلك تحدث المؤلف عن جوانب كثيرة من الثقافة الأميركية يحبها الشرق الأوسط غير أن أمريكا فرّطت فيها، مشيراً إلى أن لجنة استشارية طرحت بعض التوصيات لزيادة قوة أميركا الناعمة في البلاد العربية الإسلامية مثل إنشاء المكتبات وترجمة الكتب الغربية إلى العربية وزيادة المنح الدراسية والزيارات الأكاديمية، قائلاً : (إن أكثر الناطقين باسم أميركا فاعلية وتأثيرًا ليسوا هم الأميركيين، بل وكلاؤهم المحليون من أهل البلاد الأصليين الذين يفهمون فضائل أميركا وعيوبها كذلك)!
الفصل الخامس : القوة الناعمة وسياسة أمريكا الخارجية
تحدث المؤلف في هذا الفصل عن العلاقة بين السياسة الخارجية الأميركية من جهة، والقوة الناعمة من جهة أخرى، مشيراً إلى أن هذه السياسة "المكروهة" أدت إلى انحدار القوة الناعمة وتناقص أثر الثقافة الشعبية الأميركية في العالم في مقابل تزايد الإقبال على الثقافات الأخرى والفاعلين الآخرين،
وأشار إلى أن حرب الأسابيع الأربعة في العراق في 2003 كانت استعراضاً مبهراً لقوة أمريكا العسكرية التي نجحت في إقصاء طاغية كبير، لكنها لم تنجح في جعل أميركا حصينة ضد الإرهاب. كما أنها كانت باهظة التكاليف فيما يتعلق بقدرة الأمريكان على جذب الآخرين بالقوة الناعمة، حيث أنه في أعقاب تلك الحرب أظهرت استطلاعات الرأي تدنياً هائلاً في شعبية الولايات المتحدة حتى في دول مثل بريطانيا وأسبانيا وإيطاليا، التي أيدت حكوماتها تلك الحرب. كما وصلت شعبية أميركا إلى الحضيض في الدول الإسلامية التي تحتاج إلى دعمها من أجل المساعدة في تعقب الإرهابيين والأموال الملوثة والأسلحة الخطيرة.
وقد حذر المؤلف من تجاهل القوة الناعمة وتعجب من أن أمريكا تنفق على القوة العسكرية أكثر من القوة الناعمة بسبعة عشر ضعفاً .
وتحدث عن النجاح في استخدام القوة الناعمة إبان الحرب الباردة، حيث نجحت استراتيجية الاحتواء التي انتهجها الغرب في الجمع بين القوة العاتية المتمثلة في الردع العسكري، وبين القوة الناعمة التي تمثلت في اجتذاب الناس خلف الستار الحديدي.
ومن خلال ذلك نجح الغرب في تدمير الثقة السوفييتية باستخدام الإذاعات المختلفة، ومن خلال التبادل الطلابي والثقافي، والنجاح الذي حققه الاقتصاد الرأسمالي. وكما شهد لاحقاً أحد العملاء السابقين بهيئة الاستخبارات السوفيتية (كي بي جي) بقوله : (كانت عمليات التبادل الثقافي بمثابة حصان طروادة بالنسبة للاتحاد السوفييتي. فقد لعبت دوراً هائلاً في تآكل النظام السوفييتي). وبعد تقاعد الرئيس الأميركي "دوايت ايزنهاور" قال إنه كان ينبغي عليه أن يستقطع المال من ميزانية الدفاع لاستخدامه في تقوية وكالة الاستخبارات.
مع نهاية الحرب الباردة أصبح الأميركيون أكثر اهتماماً بالتوفير في الميزانية بدلاً من الاستثمار في القوة الناعمة.
ففي عام 2003 ذكرت مجموعة استشارية مكونة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في تقرير لها: أن الولايات المتحدة تنفق على الدبلوماسية العامة في الدول الإسلامية ما لا يزيد على 150 مليون دولار، وهو مبلغ وصفه التقرير بأنه غير لائق إلى حد فاضح.
وكان إجمالي إنفاق وزارة الخارجية على برامج الدبلوماسية العامة وكل إذاعات أمريكا الدولية ما يزيد بقليل على بليون دولار، وهو تقريباً نفس المبلغ الذي تنفقه بريطانيا أو فرنسا، وهما دولتان تمثلان خُمس حجم أميركا ولا تزيد ميزانية الدفاع لديهما عن 25% من ميزانية الدفاع الأميركية.
وتنفق الولايات المتحدة على القوة الصلبة أربعمائة ضعف (400) ما تنفقه على القوة الناعمة. أي أن الولايات المتحدة إذا أنفقت 1% فقط من ميزانيتها العسكرية على القوة الناعمة، فهي بهذا تضاعف إنفاقها الحالي على هذا العنصر الأساسي في الحرب ضد الإرهاب إلى أربعة أضعاف.
11:09 م
رائع
ردحذفرائع
ردحذف