لغة القالب

تغيير سلوكيات المجتمع!

كم تبادلنا في مجالسنا ومنتدياتنا وشبكات تواصلنا حديث اللوم والتقريع لبعض المظاهر غير الحسنة في واقعنا، ويشارك في الحديث كثير من الناس كل منهم يمكنه أن يلقي خطبة عصماء في هذا الأمر الذي يتم نقاشه، فإذا نظرت في واقع بعض أولئك المتحدثين، وجدته يقع فيما كان يذم!

فتراه يفرّط في النظافة في الأماكن العامة - مثلاً - متذرعاً بأن الجميع يصنع ذلك، وأن عنايته بالنظافة لتلك الأماكن تلك لن تصلح المكان، ولن تغير من واقع الأمر شيئاً، فسيأتي غيره ليفسد، ويلوّث..
وبهذه الطريقة يتم تسويغ الخطأ وتبريره، ويتحول المرء إلى نسخة من مكررة من السيئين.
وهذا الأمر - بكل تأكيد - لا يمكنه أن يصلح الأوضاع ولا يرفع من جودة الحياة وظروفها، لأن الناس لن يتحسنوا فجأة، ولن يتحسنوا جميعاً.
والحقيقة التي لا شك فيها أنه لو التزم كل واحد منّا بإصلاح ذاته لصلح المجتمع برمّته، ولو التزم كل منا بنظافة المكان الذي يعمل ويسكن فيه لكان بلدنا كله نظيفاً، ولو التزم كل واحد منا بالأخلاق الحسنة، لتغيرت الصورة الأخلاقية للمجتمع كله، وبتنا خير المجتمعات..
غير أن المشكلة تكمن في أن كل واحد منا يتلفت يمنة ويسرة قبل أن يبدأ هو مسيرة إصلاح سلوكه، ويؤجل التحسين والتغيير إلى أن يتغير الناس..
والحل الصحيح هنا وفي كل حالة مشابهة أن تعمل العمل الصحيح، وتكون قدوة في هذا الأمر، وتصلح ما يمكنك إصلاحه، وأثناء إصلاحك لنفسك فعلاً ، يمكنك أن تقوم بالتنبيه المؤدب لكل من تراه يخالف ذلك..
وفي هذا يحسن الاستشهاد بقصيدة أبي الأسود الدؤلي ، التي يقول فيها :
وإذا عتبت على السفيه ولمته ... في مثل ما تأتي فأنت ظلوم
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله ... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك وانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما وعظت ويقتدى ... بالعلم منك وينفع التعليم
إن وجود النماذج (القدوة) في كل المجالات من شأنه أن يشجع الناس على الاقتداء بهم، والسير على خطاهم، وترك أخطائهم، ومن هنا تكون بوابة التغيير الإيجابي دوماً، وفضلاً عن الشعور الذاتي بالرضا عن الذات حين تفعل الفعل الصحيح، فإن استشعار "الأجر" المترتب على اقتداء الناس بك، حين سننت لهم هذه السنة الحسنة، يدفعك للتمسك بالصواب وعدم النكوص عنه مهما كانت المعاذير.
وقد نهينا أن يكون المرء إمّعة، فيقول: إن أحسن الناس أحسنت معهم، وإن أساؤوا أسأت معهم، فليس أمراً مقبولاً من كل ذي لب، ولكن إن أحسن الناس فأحسن، وإن أساؤوا فتجنب صنيعهم، وافعل الفعل الصحيح دوماً وأبداً ولا تنتظر لإحسانك رداً .
وأود في الختام أن أشير إلى أن "القدوة" المذكورة هنا ليست السبيل الوحيد لإصلاح سلوكيات المجتمع، لكنها الوسيلة اليسيرة، والمتاحة لكل أحد، وذات التأثير المؤكد، والتي لا تحتاج إذناً أو إجراء معقداً لتحقيقها.
فإذا تعاضد ذلك كله مع توجه رسمي لتغيير بعض السلوكيات، من خلال الترغيب والترهيب، ومن خلال الحملات التوعوية، ومن خلال بعض الإجراءات المحفّزة، فلا شك أن ذلك سيكون أكثر نفعاً وتأثيراً
دمتم بخير

محمد بن سعد العوشن
إعلامي، مهتم بالعمل الخيري
@bin_oshan

نشر في صحيفة تواصل من هــــنـــا
11:07 ص

عدد المواضيع