فُرِجَت وكنت أظنها "قد" تُفرَجُ
في الرابع والعشرين من شهر رمضان 1440هـ، دشّنت وزارة الداخلية مبادرة (فرجت) وهي منصة رقمية رسمية موحدة من أجل مساندة المحكومين بالسجن بسبب عجزهم عن سداد ما عليهم من حقوق مالية، حيث تسهّل المنصة عملية الإفراج هن هؤلاء من خلال تواصل مباشر ودقيق بين الجهات ذات العلاقة، (المتبرع، المصرف، إدارة السجون، المحتاج).
وجاءت خدمة (فُرجت) باعتبارها خدمة جديدة تضاف لسلسلة الخدمات الإلكترونية الرائعة لوزارة الداخلية في منصة (أبشر) التي أحسنت في توظيف التقنية بشكل فعّال، ولا يسع المرء إلا أن يشكر ويبارك هذه الخطوة الرائدة والمميزة.
ومن المهم عند الحديث عن (الإفراج عن السجناء)، الإشارة إلى أن هذه لم تكن أول مبادرة في هذا السياق الخيري في بلدنا المباركة، حيث سبق أن أصدر مجلس الوزراء في المملكة قراراً عام 1422هـ بإنشاء لجنة وطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم (تراحم)، ينبثق عنها لجان فرعية لرعاية السجناء بالمناطق، ثم قامت وزارة الشؤون الاجتماعية بإعطاء تصاريح لتلك اللجان في مناطق المملكة المختلفة.
وقامت تلك اللجان - طوال السنوات الماضية - ولا زالت تقوم بأدوار كبيرة في مجال العناية بالسجناء وأسرهم، ويشمل ذلك رعاية أسرة السجين، وسداد إيجارات منازل تلك الأسر، والسعي للإفراج عن المسجونين بسبب المطالبات المالية.
وفي عملية تكشيف سريعة حول موضوع "الإفراج عن السجناء" وجدت جملة الأخبار التي هي غيض من فيض، وهي تؤكد على أن هذا المجتمع (أفراداً وجمعيات ومسئولين) يسعون في هذا العمل الخيري دون انتظار الشكروالثناء من أحد.
ففي عام 2006 أفرجت المديرية العامة للسجون ليلة عيد الأضحى عن ثمانية وأربعين سجيناً من سجناء الحق الخاص بتبرع من مؤسسة الجميح الخيرية، وفي 2010 ساهمت مؤسسة السبيعي الخيرية بإطلاق سراح 30 سجينا، وفي 2014 كانت تبرعات فاعلي الخير قد أطلقت سراح ٢٨٠ سجيناً ، وفي 2016 قامت أوقاف صالح الراجحي بمنح 10 ملايين ريال لـبرامج (تراحم)، ومنها : برنامج تسديد مديونيات السجناء، وفي العام ذاته انطلقت حملة لتفريج كربة 100 سجين بحائل، بالشراكة مع (تراحم حائل) وعشرات المشاهير، وفي العام التالي انطلقت حملة (تراحم الطائف) لإطلاق سراح 70 سجينا ب 6 ملايين، وفي عام 2018 أفرجت (تراحم حائل) عن 54 سجيناً بما يزيد عن 4 مليون ريال، وساهمت حملة (تراحم الرياض) في النصف الأول من العام ذاته في الإفراج عن 129 نزيلاً كما أطلقت (تراحم الباحة) في العام نفسه سراح 23 من السجناء بمبلغ يزيد عن 4 ملايين ريال، وهذه ليست (كل) الأخبار بطبيعة الحال، وإنما هي ( جزء يسير) منها.
ولم يكن الإفراج عن السجناء مقتصراً على لجان (تراحم)، بل إن الجهات الخيرية المختلفة ورجال الأعمال وأمراء المناطق، وعدد من الإعلاميين، يبذلون في المجال ذاته، فضلاً عن الأوامر الملكية الكريمة التي تصدر دورياً بالسداد عن المعسرين وفق ضوابط مهمة ودقيقة، ويدرك الإخوة الفضلاء في (المديرية العامة للسجون) حجم تلك المشروعات وآثارها الحميدة، فالعمل على الإفراج عن السجناء ليس عملاً جديداً وإن ظنّ البعض أنه كذلك.
كما أن عدداً من مشاهير شبكات التواصل أطلقوا قبل ذلك مبادرة للإفراج عن السجناء في الحقوق المالية في القصيم، ثم كررت المبادرة في 47 مدينة ومحافظة، وتم الإفراج من خلالها عن 1414 سجين، بمبلغ يتجاوز 62 مليون ريال.
قد تنكر العين ضوء الشّمس من رمد ... وينكر الفم طعم الماء من سقم
وفي ختام حديثي عن هذه المبادرة المميزة (فرجت) فإنني أود الإشارة إلى أن العجب لا ينقضي من فئام محدودة من راغبي الظهور الإعلامي، الذين بدلاً من قيامهم بالتركيز على مباركة هذه الخطوة، والدعوة لمواصلة توظيف التقنية بشكل فعال، وجّهوا أقلامهم وسهامهم، وأصابع اتهامهم ولومهم وتشكيكاتهم لقطاع عريض من الجهات الخيرية التي اعتبروها مقصّرة في أداء هذه المهمة، معتبرين أن مجال الإفراج عن السجناء مجال مهم و لم يعمل فيه أحد!.
وما علم أولئك أن الجهات الخيرية كانت ولازالت تقوم بعمل عظيم في هذا الشأن – تحديداً وفي الأخبار المذكورة في صدر مقالي هذا ما يثبت ذلك، كما أن عملية الربط الإلكتروني بين بيانات الموقوفين في القضايا المالية والبنوك هي من الخدمات التي لا تملك الجمعيات الخيرية أن تقوم بها لطبيعة البيانات وخصوصيتها.
إن النقد الرصين المبني على الحقائق والمعلومات أمر إيجابي مطلوب، وهو يستحق الترحيب والتقدير، حتى إن كان حديثاً عن الأخطاء والسلبيات الموجودة فقط، ذلك أنه أداة مهمة للتطوير والتحسين المستمر والرقي بالعمل الخيري، لكن ذلك مشروط بأن يكون عن علم ودراية وخبرة، أما إذا كان الحديث مبنياً على الظنون والتخرصات والأوهام، ومرتكزاً على قلة الوعي بالشيء الذي يتم انتقاده، فإنه والحالة هذه يكون من إلقاء الكلام على عواهنه، ويكون هدفه التشكيك في جهود الآخرين والتقليل منها.
إن العمل الخيري في المملكة عمل عريق، وعميق، ومتنوع، وله أثر كبير على المجتمع، وجدير بنا الإشادة بكل مبادرة جديدة، والثناء عليها، وهذا لا يقتضي بالضرورة لعن الوضع السابق، أو تناسي المجهودات الأخرى أو تهميشها، كما أن من المهم أن يتم – وبشكل مستمر - توظيف التقنية الحديثة بشكل فعال لخدمة المستفيدين وتحقيق الأثر، والحرص على التنسيق والتكامل بين الجهات المختلفة لتحقيق أعلى مستويات الخدمة وأدقها ( الجهات الحكومية - القطاع الخيري - القطاع الخاص).
ولندرك أن واجبنا - جميعاً - أن نكون مدافعين عن كل عمل خيري مبارك، ومقوّمين لأي اعوجاج نراه بوعي وعلم ويقين، كما أننا يجب أن ندفع عن أعراض الباذلين أموالهم وجهودهم وأوقاتهم في خدمة الناس، وعدم فتح المجال لكل أحد للنيل من الجهات الخيرية أو الحكومية أو غيرها، بدون دليل، ومحاسبة المتجاوزين في ذلك، فالكلمة أمانة يجب رعايتها، والقلم والإعلام أداة للبناء فلا يصلح أن تستخدم للهدم.
دمتم بخير،،،
محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري.
@bin_oshan
3:29 م