لغة القالب

عن المؤتمرات .. مرة أخرى

تحدثت في مقالة سابقة عن الملتقيات والمؤتمرات التي ينفق عليها الكثير، وهي لا تحقق الكثير! وهو حديث ربما لم يرق للبعض، لكنها وجهة نظر أرى أن الأيام والليالي تزيدني قناعة ويقيناً.
ولأن أحد الشبهات التي تتردد على المسامع (أن من أهم فوائد المؤتمرات والملتقيات تكمن في اللقاءات الجانبية والتشبيك أثناء الانعقاد)..

فإنني أود الإشارة إلى أن هذه الفائدة (المزعومة) تحصل تبعاً لا استقلالاً، كما أنها فائدة تخضع لطبيعة الحضور ومدى قدرتهم وحرصهم على القيام بهذا النشاط الجانبي، فليست متحققة بالضرورة، كما أنها لو كانت هي الهدف الأهم فإنها لا تتطلب كل هذا الإنفاق الضخم من أجل تحقيقها.

فإذا كان الهدف من المؤتمر والملتقى أن يتم جمع المهتمين والعاملين في مجال ما من أجل الإثراء المتبادل، والحوار الثنائي، ومناقشة التجارب، فإن أسلوب عقد المؤتمرات بصورته الراهنة لا يخدم هذا الأمر، ولا يشجع عليه، وأحياناً لا يمكّن منه، فالجدول مزدحم بأوراق العمل المتكاثرة والمتتالية، وأوقات الراحة المحدودة في فترة المؤتمر، فضلاً عن عدم وجود القاعات والجلسات الصغيرة المجاورة التي يمكن الاستفادة منها في هذا الأمر، وعدم وجود قاعدة بيانات بالحضور ووسائل التواصل معهم مسبقاً ليتاح للمشاركين فعلاً سهولة التواصل والتشبيك، وهي تدل على أن التشبيك فائدة غير مقصودة أصلاً!

ومن هنا فإنني أدعو الجميع إلى إعادة المراجعة والتأمل والدراسة لمدى أهمية إقامة الملتقى والمؤتمر فعلياً قبل اتخاذ القرار بإطلاقه، إذ يجب أن يكون الهدف من المؤتمر واضحاً جلياً، وأن تكون الشريحة المستهدفة واضحة كذلك، وأن نتأكد أن هناك ثماراً كثيرة لا يمكن تحققها إلا بعقد المؤتمر، وأن يكون لدينا الجرأة والشجاعة على إيقاف وتأجيل أو اختصار أو إلغاء المؤتمر حين يبدو أن حجم ونوع الأوراق المطروحة لا ترقى إلى أن تقدّم شيئاً ذا بال.

وأخيراً فإن التقنيات الحديثة اليوم قد قلبت المعادلة، وغيّرت الأساليب، فجمع الناس من أماكن متفرقة وبلدان متنائية، وجلوسهم في قاعات واسعة، ووجود منصة يصعد عليها المتحدثون، والسفر لأجل الحضور بكل معاناته، وتكاليفه، بات أسلوباً تقليدياً قديماً، فالتقنية – اليوم- قد أتاحت أن يتواصل الناس بشكل مسموع ومرئي عن بعد، وأن يتمكن مقدمو أوراق العمل من الحديث وهم في أقصى الأرض، كما أن التقنية أتاحت أن يستمع ويشاهد تلك المادة في الوقت ذاته ألوف الأشخاص بل مئات الألوف، مع تكلفة منخفضة، ومرونة في الوقت، وقدرة على إدارة التعليقات والتعقيبات، بالإضافة إلى أرشفة تلك المواد وإتاحتها للمستفيدين عند رغبتهم في سماعها أو العودة إليها لاحقاً.

لذا أتمنى :

أن أرى تقلصاً للمؤتمرات والملتقيات الحقيقية، وأن يكون التوجه إلى المؤتمرات والملتقيات الافتراضية،

 وأن يتم في الوقت ذاته عقد لقاءات التشبيك والتواصل بشكل يحقق نقل الخبرات وتبادلها، 

وأن يتم تقييم أوراق العمل بشكل حازم يستبعد بموجبها كل ورقة لا ترقى لأن تأخذ أوقات الحاضرين، وجهدهم، 

وأن يتم بكل بساطة تأجيل أو إلغاء المؤتمر أو تقليل جلساته أو اختصار وقته دون أي تحرّج من ذلك، 

وكلي أمل ورجاء أن يكون ذلك معلماً واضحاً مشاهداً في قادم الأيام.
دمتم بخير ،،،

محمد بن سعد العوشن
@bin_oshan
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري

_______________________

تم النشر في صحيفة تواصل من هــنــا
12:40 م
عدد المواضيع