حتى في الرمق الأخير : فليغرسها
(إن بالمدينة لرجال ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم وادياً إلا شركوكم في الأجر حبسهم المرض)، هذا كلام المصطفى ﷺ في الحديث الذي رواه جابر بن عبدالله حين كان مع النبي ﷺ في أحد غزواته، فالنية الطيبة بحدّ ذاتها تصنع الكثير.
ولطالما تكاسلنا كثيراً عن القيام ببعض الأفعال “المهمة” والمؤثرة نظراً لما يصيبنا أحياناً من التشكّك في مدى استمرارية نتائج تلك الأعمال على المدى الطويل، ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها، مع أن المطلوب منا أن نبذل جهدنا ونقوم (الآن) بكافة الأعمال التي يجدر بنا القيام بها، وليس علينا أن نستوثق بشكل (متشدد) مما يحدث في المستقبل، فالأجر يحصل بالعمل الصحيح، أما النتائج فأمرها إلى الله، وهذا ملمح مهم يجدر بنا التشبع به تماما.
فالنية الطيبة، والعزيمة الصادقة، والسعي نحو العمل تثبت مصداقية المرء، لذا لا عجب أن يكتب الله له الأجر ولو لم يتم أمره، أو يحقق أهدافه أو تعطل بعد إقامته، ولذا ثبت في الحديث أن بعض الأنبياء يأتي يوم القيامة ومعه الرجل والرجلان، ويأتي النبي وليس معه أحد، بل إن نوحاً عليه السلام الذي لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ونوّع فيها الوسائل، والأوقات، والأدوات، لم يلق من الاستجابة ما يتناسب معه تلك الجهود العظيمة فكان موقف قومه الصدود والسخرية، ولم يؤمن معه إلا عدد قليل فحسب.
ولس الأمر مقتصراً على من نوى وعمل، بل إن النيّة – وحدها- لمن عجز عن العمل ترفع درجة صاحبها، ففي الحديث الصحيح حين عدّد رجال أمته، ووصفهم قال ﷺ :(رجل آتاه الله مالًا وعلما فهو يعمل بعلمه في ماله ينفقه في حقه، ورجلٌ آتاه الله علما ولم يؤته مالًا فهو يقول: لو كان لي مثلَ هذا عملتُ فيه مثلَ الذي يعمل) قال رسول اللهِ ﷺ(فهما في الأجرِ سواءٌ).
فإذا أتيحت لك الفرصة لإطلاق مبادرةٍ ذات نفعٍ متعدٍ، أو مشروعٍ يحقق الفائدة والخير للناس، فلا تتردد كثيراً في الأمر، ولا تطل “القنص” و”التصويب” و” الإنضاج”، فحتى في الساعات الأخيرة من الحياة على هذا الكون، ولحظات النهاية على الأبواب، فإن النصّ الشرعي جاء موجّها لأولئك الذين يشهدون تلك اللحظات الحاسمة أن يفعلوا الخير دون أن يلقوا بالاً لموضوع النتيجة التي يمكن أن تتحقق بسبب الظروف الخارجة عن إرادتهم، ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد يقول ﷺ:(إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تَقوم حتى يَغرِسَها، فليَغرِسْها)، فغرس الفسيلة – وهي صغير النخل المأخوذ من جوار أمّه، هذا الغرس عمل بعيد الأثر، ولا يحقق إثماراً إلا بعد مضي عدد من السنين، والأحداث المحيطة بأولئك القوم تجعلهم يدركون بأنه لم يبق من عمر الأرض إلا فترة قصيرة، ومع ذلك جاءت الوصية النبوية بالغرس، بفعل الخير دون التفكير في النتائج كثيراً مادام العمل في ذاته صحيحاً، والنية فيه طيبة.
ومن تأمّل أحداث التاريخ، وقصصه، فسوف يتعجب من بعض الأعمال الصالحة التي لم يكن أهلها يتوقعون لها أن تحقق أثراً كبيراً، ولا مستمراً، وكيف باركها الله ، ونماّها، وكفل لها استدامة البقاء واستدامة التأثير.
إنها رسالة لنا جميعاً أن ننطلق نحو كل عمل خيري نافع، وألا نتردد في إطلاق تلك المبادرات الفردية ذات النفع المتعدّي، فإن شيوع مثل هذه المبادرات من شأنه أن يحدث تغييراً إيجابياً واسع النطاق نحو المزيد من الخير.
فيا أيها القارئ والقارئة .. اغرسوها، دمتم بخير ،
محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري
@bin_oshan
تم النشر في صحيفة تواصل هــنــا
ولطالما تكاسلنا كثيراً عن القيام ببعض الأفعال “المهمة” والمؤثرة نظراً لما يصيبنا أحياناً من التشكّك في مدى استمرارية نتائج تلك الأعمال على المدى الطويل، ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها، مع أن المطلوب منا أن نبذل جهدنا ونقوم (الآن) بكافة الأعمال التي يجدر بنا القيام بها، وليس علينا أن نستوثق بشكل (متشدد) مما يحدث في المستقبل، فالأجر يحصل بالعمل الصحيح، أما النتائج فأمرها إلى الله، وهذا ملمح مهم يجدر بنا التشبع به تماما.
فالنية الطيبة، والعزيمة الصادقة، والسعي نحو العمل تثبت مصداقية المرء، لذا لا عجب أن يكتب الله له الأجر ولو لم يتم أمره، أو يحقق أهدافه أو تعطل بعد إقامته، ولذا ثبت في الحديث أن بعض الأنبياء يأتي يوم القيامة ومعه الرجل والرجلان، ويأتي النبي وليس معه أحد، بل إن نوحاً عليه السلام الذي لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ونوّع فيها الوسائل، والأوقات، والأدوات، لم يلق من الاستجابة ما يتناسب معه تلك الجهود العظيمة فكان موقف قومه الصدود والسخرية، ولم يؤمن معه إلا عدد قليل فحسب.
ولس الأمر مقتصراً على من نوى وعمل، بل إن النيّة – وحدها- لمن عجز عن العمل ترفع درجة صاحبها، ففي الحديث الصحيح حين عدّد رجال أمته، ووصفهم قال ﷺ :(رجل آتاه الله مالًا وعلما فهو يعمل بعلمه في ماله ينفقه في حقه، ورجلٌ آتاه الله علما ولم يؤته مالًا فهو يقول: لو كان لي مثلَ هذا عملتُ فيه مثلَ الذي يعمل) قال رسول اللهِ ﷺ(فهما في الأجرِ سواءٌ).
فإذا أتيحت لك الفرصة لإطلاق مبادرةٍ ذات نفعٍ متعدٍ، أو مشروعٍ يحقق الفائدة والخير للناس، فلا تتردد كثيراً في الأمر، ولا تطل “القنص” و”التصويب” و” الإنضاج”، فحتى في الساعات الأخيرة من الحياة على هذا الكون، ولحظات النهاية على الأبواب، فإن النصّ الشرعي جاء موجّها لأولئك الذين يشهدون تلك اللحظات الحاسمة أن يفعلوا الخير دون أن يلقوا بالاً لموضوع النتيجة التي يمكن أن تتحقق بسبب الظروف الخارجة عن إرادتهم، ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد يقول ﷺ:(إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تَقوم حتى يَغرِسَها، فليَغرِسْها)، فغرس الفسيلة – وهي صغير النخل المأخوذ من جوار أمّه، هذا الغرس عمل بعيد الأثر، ولا يحقق إثماراً إلا بعد مضي عدد من السنين، والأحداث المحيطة بأولئك القوم تجعلهم يدركون بأنه لم يبق من عمر الأرض إلا فترة قصيرة، ومع ذلك جاءت الوصية النبوية بالغرس، بفعل الخير دون التفكير في النتائج كثيراً مادام العمل في ذاته صحيحاً، والنية فيه طيبة.
ومن تأمّل أحداث التاريخ، وقصصه، فسوف يتعجب من بعض الأعمال الصالحة التي لم يكن أهلها يتوقعون لها أن تحقق أثراً كبيراً، ولا مستمراً، وكيف باركها الله ، ونماّها، وكفل لها استدامة البقاء واستدامة التأثير.
إنها رسالة لنا جميعاً أن ننطلق نحو كل عمل خيري نافع، وألا نتردد في إطلاق تلك المبادرات الفردية ذات النفع المتعدّي، فإن شيوع مثل هذه المبادرات من شأنه أن يحدث تغييراً إيجابياً واسع النطاق نحو المزيد من الخير.
فيا أيها القارئ والقارئة .. اغرسوها، دمتم بخير ،
محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري
@bin_oshan
تم النشر في صحيفة تواصل هــنــا
2:09 م