لغة القالب

اكتشف نفسك بنفسك (3)

تقرأ في سيَّر بعض من حققوا نجاحات وتميزاً في مجالات معينة، فتجد أن الواحد منهم يكتب في سيرته الذاتية أنَّ الذي اكتشفه فلان، ممن عَمِلَ معه أو عاش معه، أو درّسه، أو صاحبه، فتلمّس عنده موهبة معينة، فأشاد بها، وأثنى عليها، فلما سمع الناس يشيدون بهذه الموهبة أكثر من مرة، ومارسها عملياً، أدرك حقيقة هذه الموهبة، وربما نمَّاها ذلك المكتشف، أو دلَّه على كيفية تنميتها، ففتح له طريق النجاح والتميز.
وهذه الحالة تمر على عدد من الناس، لكنها ليست الحالة السائدة!

ذلك أن كثيراً من الناس يولدون بمواهب فطرية، وهبهم الله إيَّاها، ويعيشون كل حياتهم دون أن يكتشفوها، ودون أن يستثمروها، ويموتون وهي لا زالت مدفونة، لم يعلم بها أحد، مع أنه كان بإمكان تلك الموهبة أن تصنع للبشرية الشيء الكثير، وكان بإمكانها أن تصنع لأصحابها تأثيرًا وسمعة وأموالًا ومكانة، لكنهم – نظراً لأنَّهم لم يبالوا بها- ذهبت أعمارهم دون أن يستفيدوا منها.

لذا فمن غير المناسب - أيُّها القارئ- أن ينتظر الواحد منَّا أن يكتشفه أحد ما، ويجلس في وضع الانتظار تحت رحمة المكتشفين، فإن اكتشفوه فبها ونعمت، وإن لم يكتشفوه بقي كما هو!

هذا الأسلوب لا يصلح إطلاقًا، فالمفترض بمريد النجاح أن يبذل الجهد، وغاية الوسع في معرفة نقاط التميز، ونقاط القوة، ولا بد أن تدرك أنَّ هذا الواجب واجب فردي وشخصي عليك أنت، وليس مناطًا بغيرك، فإن بذل غيرك جهدًا لخدمتك فهذا فنور على نور، لكن المهمة مهمتك، والواجب واجبك، فهي قدراتك، وطاقاتك، وحياتك، ونجاحك، وهذا هو تأثيرك.

وهي نعم وهبك الله إيَّاها، فلا يليق أن تجعلها تحت رحمة الناس الذين ربما اكتشفوك حيناً، وأهملوك أحياناً. 

نبِّش، وابحث، واسأل، وجرّب، ومارس، وستكتشف بذلك وتعرف مهاراتك، أما الجالس – على وضع الانتظار - لا يحاول شيئاً، فمن الطبيعي أنَّه لن يكتشف شيئًا!

لكن الذين يخوضون تجارب مختلفة، ويجرّبون مجالات متعددة، ويختبرون أنفسهم وقدراتهم، سيكتشفون بعد تجربة أولى وثانية وثالثة ورابعة أنَّ هناك تجربة قد أبدعوا فيها وحققوا فيها تميزًا مختلفًا، ثم حين يعيدون هذه التجربة كل مرّة يحققون نفس التميز..
هنا يمسك الواحد منهم بطرف خيط الموهبة والنجاح، ويمكنه بعد ذلك أن يسأل ويجرّب، ويسأل المختصين، ثم يكتشف فعلًا أنَّ هذا التميز موجود، ثم يبدأ في خط منتظم ومرتب لتنمية هذه الموهبة، ونقلها من كونها مجرد موهبة ربانية أساسية أعطاك الله إيَّاها، إلى موهبة تم صقلها من خلال التجربة والتعلّم، والمعايير والمقاييس الخاصة بهذه الموهبة.

أتمنى أن تثمر هذه التدوينة التفات كل واحد منَّا إلى نفسه باحثًا عن نقاط القوة والتميز والمواهب الموجودة لديه ليكتشفها بنفسه، بالاستعانة بمن يعرفه، ثم ينميها حتى يرى منها بإذن الله ثمارًا مباركة.

محمد بن سعد العوشن

التدوينة التالية | .......................
(سيتم تفعيل الرابط حين ينشر )

10:54 ص
عدد المواضيع