خلطة الأسرار
غير أن ثمة إشكالية في المساعي المبذولة لمعرفة سبب النجاح الذي تحقق، حيث يتم إطلاق الأحكام الانطباعية العجلى على ذلك، وربما تكرر إطلاق سبب واحد لتلك النجاحات جميعاً، وهو ما يجعل استنساخ النجاح وتكراره أمراً غير ممكن في ظل قلة المعلومات المعينة على معرفة الأسباب.
وفي ظني أن النجاح في كل مرة لا يعتمد على سرّ واحد، أو سبب وحيد، بل ثمة خلطة “سرية” في كل نجاح يتحقق، تجعله قابلاً للإعادة حين تجتمع مكونات الخلطة بنفس مقاديرها.
ومن الأسباب التي يمكن أن تساهم في تلك النجاحات: توجّه المانحين ومدى قبولهم بالأطروحات غير المعتادة، وموافقتهم على العمل وفقاً لأساليب منح، ومشروعات، ومستهدفات غير تقليدية، كما أن حجم تقبّلهم لخوض التجارب والمغامرة ببعض الأموال على مشروعات قد تنجح وقد تفشل، أمر يوسّع نطاق العمل، ويمكن أن يتحقق بموجبه نجاحات فائقة، وإخفاقات كبرى كذلك!.
ومن الأسباب المؤثرة: قدرة المنظمة على الاستفادة من الطاقات البشرية المتميزة والمتخصصة بشكل فعّال، من خلال توظيف الكوادر البشرية ذات الكفاءة، وتوسيع مجال الاستشارة للمتخصصين، وتوظيف خبراتهم ومعلوماتهم وتجربتهم الطويلة في بناء وابتكار المشاريع وإنضاجها، إضافة إلى الاستفادة من الجهات المتخصصة وبيوت الخبرة المتنوعة بإشراكهم في الدراسة أو التنفيذ، أو فيهما معاً.
كما أن الخبرة التراكمية لمسئولي المنح ومتخذي القرار في المنظمة، ومعرفتهم بالعقبات المعتادة، والمخاطر المحتملة، والجهات الأكثر مناسبة للشراكة معها يعين على وضع الأطر الرئيسة التي يمكنها أن تساهم في تحقيق النجاح.
ويساهم توفّر السيولة المالية المناسبة للمنظمة على إطلاق مجموعة من المبادرات الابتكارية دون تأثير على بقية أعمالها ومشروعاتها المختلفة.
كما أن “العلاقات العامة” للمنظمة وقدرتها على الوصول للمعلومات والجهات والأشخاص، يسهّل عليها الاختيار والانتقاء للمبادرات الأكثر تأثيراً، حيث تكون المنظمة من جراء ذلك وجهةً رئيسيةً لأصحاب المشروعات والمبادرات، فتصل إليهم قبل أن تصل إلى سواهم، ويكونون أقدر على اجتذاب الناجحين والمبادرين، وأكثر فرصة من سواهم في تحقيق الشراكات المثمرة.
وبالجملة فإن ما أريد تقريره هنا أنه ليس لذلك النجاح المبهر الذي نراه في مرحلة قطف الثمار سبب واحد، ولا سرّ واحد، بل ثمة خليط من الأسرار التي تساهم جميعها – وإن بنسب متفاوتة- في الوصول لذلك النجاح، فالتبسيط وتسطيح الأسباب يؤدي لمحاولات فاشلة لتقليد التجربة، ونتائج لا تكون مطابقة لتطلعات المنظمة وإدارتها العليا.
وما أجدرنا بدعم المزيد من الدراسات “المتعمقة” لا السطحية لكل تجربة ناجحة، مما يجعل تلك الدراسات بحثاً علمياً حقيقياً مؤثرا على القطاع، ومغيّرا في الممارسة والسلوك، بعيداً عن مجرد المحاكاة الظاهرية لجزئيات شكلية لدى المنظمة الناجحة، وتوقّع نتائج باهرة من جراء ذلك “التقليد”.
دمتم بخير ،،،
محمد بن سعد العوشن
bin_oshan@