الكثير من "الدرعمة"
كشفت وسائل التواصل الاجتماعي أن كثيراً من الناس – وللأسف – مستعد للقتال دون قضية، والحماسة لموضوع لا يعرف أبعاده، ومخاصمة الناس على الـ”لا شيء”.
وفي كل يوم تأخذنا الهاشتاقات التويترية نحو قضايا بعينها تحقق “ترنداً” عالمياً، وأرقاماً قياسية في حجم المشاركات، وترى تفاعل الصغير والكبير فيها، تفاعلاً غير متزن، و”درعمة” دون وعي.
لقد أتاحت شبكات التواصل لكل أحدٍ أن يعبر عن رأيه كما يرى، لكنها في المقابل لم تجعل لذلك حداً، والحرية المطلقة شر مطلق، كالمنع والكبت والحصار، لأن تلك الحرية تجعل الناس يهرفون بما لا يعرفون، ويكذبون، ويضخّمون الصغائر، ويطالبون بالحلول غير المنطقية، ويخوضون في النوايا، وينالون من الأعراض، تحت ستار الأسماء المستعارة حيناً والحقيقية أحياناً، ولا يمكنك في الحالتين التحقق من صحة الأسماء أو نسبة تلك الأقوال لأصحابها.
والمشكلة الكبرى، أن الناس يظنون أنهم باتوا إيجابيين وفاعلين ما داموا قد غرّدوا في هذا الهاشتاق أو ذاك، يشعر الواحد منهم أنه أدى رسالته، وقام بمهمته، لأنه ذمّ ذلك القطاع، أو نال من ذلك الشخص، ويعتبر نفسه مؤثرا لمجرد أنه كتب في ذلك الهاشتاق جملة من عبارات السبّ والشتم والدعوات، ولهذا فهو قد بات عنصراً فاعلاً في مجتمعه خلافاً للآخرين!
وما درى المسكين أنه أصبح كالفرّوج (صغير الدجاج) الذي سمع الديكة تصيح فصاح بصياحها، وهو لا يدري ما الموضوع أصلاً ولا مسبباته.
لقد أصبح وجود مقطع مرئي لامرأة تبكي أو تشتكي، أو هاشتاق يزعم تعنيف امرأة كفيلاً باستنفار تويتري كبير!
مع أنه ربما كانت تلك المرأة ظالمة ومتجنيّة ومفترية، فلا يمكن اعتبار جنس “النساء” أو فئة “العمال” أو عمر “الأطفال” كافياً في اعتبار القضية عادلة، ولا أن تكون الدموع دليلاً على المصداقية، ولذا فسجون النساء ودور الأحداث فيها ألوف السجينات الواقعات في جرائم حقيقية.
إن الاهتمام برفع المظالم، والسعي لإعادة الحقوق لأصحابها، والدفاع عن المساكين، والوقوف في وجه المعتدي أياً كان اسمه ووصفه يعدّ أمراً محموداً مادام يتم وفقاً للشرع المطهر، ومن خلال الأنظمة والوسائل المسموح بها، لكن وكما قيل:
وكما قال الآخر – في الإبل كذلك -:
إنها دعوة للتريّث والتحقق والتثبت، وامتثال قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، وليست دعوة للتخاذل والقعود عن إنكار المنكر أو نصرة المظلوم.
ولنرفع شعاراً دائماً: لا للدرعمة*.
_________________
* الدرعمة : الانطلاق مع الجموع دون وعي، والتعجّل في إصدار الأحكام دون وجود معلومات كافية.
دمتم بخير ،،
محمد بن سعد العوشن
تم نشر المقال في صحيفة تواصل هـنـا
وفي كل يوم تأخذنا الهاشتاقات التويترية نحو قضايا بعينها تحقق “ترنداً” عالمياً، وأرقاماً قياسية في حجم المشاركات، وترى تفاعل الصغير والكبير فيها، تفاعلاً غير متزن، و”درعمة” دون وعي.
لقد أتاحت شبكات التواصل لكل أحدٍ أن يعبر عن رأيه كما يرى، لكنها في المقابل لم تجعل لذلك حداً، والحرية المطلقة شر مطلق، كالمنع والكبت والحصار، لأن تلك الحرية تجعل الناس يهرفون بما لا يعرفون، ويكذبون، ويضخّمون الصغائر، ويطالبون بالحلول غير المنطقية، ويخوضون في النوايا، وينالون من الأعراض، تحت ستار الأسماء المستعارة حيناً والحقيقية أحياناً، ولا يمكنك في الحالتين التحقق من صحة الأسماء أو نسبة تلك الأقوال لأصحابها.
والمشكلة الكبرى، أن الناس يظنون أنهم باتوا إيجابيين وفاعلين ما داموا قد غرّدوا في هذا الهاشتاق أو ذاك، يشعر الواحد منهم أنه أدى رسالته، وقام بمهمته، لأنه ذمّ ذلك القطاع، أو نال من ذلك الشخص، ويعتبر نفسه مؤثرا لمجرد أنه كتب في ذلك الهاشتاق جملة من عبارات السبّ والشتم والدعوات، ولهذا فهو قد بات عنصراً فاعلاً في مجتمعه خلافاً للآخرين!
وما درى المسكين أنه أصبح كالفرّوج (صغير الدجاج) الذي سمع الديكة تصيح فصاح بصياحها، وهو لا يدري ما الموضوع أصلاً ولا مسبباته.
لقد أصبح وجود مقطع مرئي لامرأة تبكي أو تشتكي، أو هاشتاق يزعم تعنيف امرأة كفيلاً باستنفار تويتري كبير!
مع أنه ربما كانت تلك المرأة ظالمة ومتجنيّة ومفترية، فلا يمكن اعتبار جنس “النساء” أو فئة “العمال” أو عمر “الأطفال” كافياً في اعتبار القضية عادلة، ولا أن تكون الدموع دليلاً على المصداقية، ولذا فسجون النساء ودور الأحداث فيها ألوف السجينات الواقعات في جرائم حقيقية.
إن الاهتمام برفع المظالم، والسعي لإعادة الحقوق لأصحابها، والدفاع عن المساكين، والوقوف في وجه المعتدي أياً كان اسمه ووصفه يعدّ أمراً محموداً مادام يتم وفقاً للشرع المطهر، ومن خلال الأنظمة والوسائل المسموح بها، لكن وكما قيل:
أوردها سعد وسعد مشتمل * ما هكذا يا سعد تورد الإبل
وكما قال الآخر – في الإبل كذلك -:
أوسعتهم شتماً وساروا بالإبل
ليس الإنجاز أن نلعن ونسبّ ونشتم الفاعل، قبل أن نستوثق من الأمر برمته، من حيث ثبوته، ومن حيث مسبباته، وأن نكمل أجزاء الصورة قبل الحكم عليها، وقد قال عمر بن عبدالعزيز لأحد قضاته: (إذا أتاك الخصم وقد فُقئت عينه، فلا تحكم له حتى يأتي خصمه؛ فلعله قد فُقئت عيناه جميعاً).
إنها دعوة للتريّث والتحقق والتثبت، وامتثال قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، وليست دعوة للتخاذل والقعود عن إنكار المنكر أو نصرة المظلوم.
ولنرفع شعاراً دائماً: لا للدرعمة*.
_________________
* الدرعمة : الانطلاق مع الجموع دون وعي، والتعجّل في إصدار الأحكام دون وجود معلومات كافية.
دمتم بخير ،،
محمد بن سعد العوشن
@binoshan
تم نشر المقال في صحيفة تواصل هـنـا
10:19 ص