متعة الحياة المؤجلةّ
تمتّع بإجازاتك الأسبوعية والسنوية، ولا تفوّتها تحت تأثير الانهماك في العمل.
فالإجازة "عملية ترميم شاملة للنفس والجسد"..
تتضمن إصلاح الخلل، وتفقد جوانب النقص، وتعديل المعوجّ، وإعطاء النفس راحة بعد طول عناء، واستجماماً واسترخاء بعد كدّ وعمل متواصل طوال العام.
وهي تأتي لتعوّض النقص الحاصل في تلبية حاجات النفس والجسد خلال أيام العمل والجدّ، ولا يشعر بطعمها الحقيقي إلا من كان في باقي أيامه منهمكاً في خضم العمل.
أما النائمون طوال العام..
الذين لا يحملون بين جنباتهم أي اهتمامات أو مشاريع، الذين أعطوا أجسادهم كل ما تريد من راحة ومتعة واسترخاء، وأعطوا أنفسهم كل ما تشتهي، فليس هناك من جديد يرونه في الإجازة، بل ربما أصبحت الإجازة في أنظارهم هماً وغماً لتواصل الفراغ بالفراغ، فترى الواحد منهم يفرح لانتهائها، ويسعد بانقضائها..
خلافاً للناجحين الذين يضعون لأنفسهم الخطط التي تجمع بين حصول الراحة والترفيه والاستجمام والاسترخاء من جهة، وبين إنجاز مشاريعهم الشخصية التي لم تكن لتنجز لولا هذا التفرغ، إذ إنهم لا يرون في الأعمال والمشاريع تكليفاً بل تشريفاً، ويعتبرونها منحة حين يعتبرها غيرهم محنة وبلية.
لذا:
التزم بأخذ إجازة منتظمة من عملك، برمج فيها وقتك، وأعط نفسك حقها من الراحة والسكون، واقتطع جزءاً منها للاستطلاع والسفر، والتغيير في المأكل والمشرب والملبس، وأعط أهلك من وقتك نصيباً تدخل به السرور عليهم، وتنمي معرفتهم، واجعل من وقتك نصيباً آخر للتفكر والتأمل والمراجعة للمسيرة، والتخطيط للمستقبل، فبها تحلو الإجازة وتزدان وتتحقق فائدتها المثلى.
* إجازة طويلة أم قصيرة ؟
بينما يتمتع البعض بأخذ إجازة طويلة لا تقل عن شهر متواصل، يرى غيرهم أن الإجازات القصيرة المفعمة بالجدة والحداثة أكثر فائدة وأقوى أثراً، فالإجازة الطويلة تعوّد الإنسان على الكسل والخمول، وتكرّه إليه العودة إلى العمل مرة أخرى، وتحتاج إلى عمل مكثف يسبقها لتسليم المشاريع والأعمال القائمة، إضافة إلى أن أيامها تمر دون أن يشعر صاحبها بأنه قد استمتع فيها بما يريد.
والأمر مختلف في "الإجازات القصيرة" إذ يتم استشعار أيامها، وجدولة المرح والراحة والسفر فيها بشكل أكثر دقة مما يجعل الشخص يشعر بكل يوم يمر، ويحس ببركة اليوم وألوان المتعة والترفيه التي أمكن عملها خلال هذا الوقت، كما أنها لا تحتاج إلى ترتيب مسبق للأعمال القائمة لدى الموظف إذ سرعان ما يعود إلى عمله لاستكماله، كما أن العودة للعمل تكون أكثر سهولة على النفس وأيسر.
كما يمكن أن تخصص كل إجازة قصيرة لقضاء أمر من الأمور، أو زيارة منطقة لم يسبق زيارتها، أو بلد جديد يختلف عن البلد المزار في الإجازة السابقة، مما يعني تغييراً أكبر في حجم الاستفادة من الإجازة، وهو ما يعطي شعوراً بطول الأيام التي نقضيها في الإجازة خلال العام.
فإن كان زمام إجازتك بيدك، وكانت وجهتك قريبة، فجرّب الإجازات القصيرة ( 8 إلى 10 أيام)، وستجد أنك تعود بنشاط وحماسة وتجديد أكثر من ذي قبل، وهو رأي مجرب، وإن كان الأمر كما قيل:
* الإجازة ليست ضياعاً !
يتعامل البعض مع الإجازة وكأنها وقت مخصص للإضاعة، وأن إشغال وقت الإجازة بغير ذلك خطأ، وهذا المفهوم غير صحيح البتة، فالراحة والاسترخاء وإعطاء النفس مرادها أمر مهم فعلاً، لكن توظيف الإجازة لتحقق الأهداف المحددة أمر مهم كذلك.
فهناك حاجة لتقسيم أوقات الإجازة لتحمل بين طياتها جزءاً للراحة والنوم والاسترخاء بعد الكد والتعب، وجزءاً للقراءة والتأمل والاطلاع، وجزءاً للاستكشاف والاطلاع، وأجزاء أخرى لصلة الرحم وإدخال السرور على الأهل والأبناء والأقارب.
ويمكن أن تصبح الإجازة منطلقاً لبناء الذات، في الجوانب الروحية، والمعرفية، والثقافية، وفي مجال العلاقات، وهي بهذا الاعتبار وقت عمل حقيقي، لكنه من نوع آخر، يتميز بدرجة أعلى من الحرية في تنظيمه وإدارته وتوجيه لتحقيق الأهداف الفردية.
* الإجازة ليست نوماً:
يعتقد كثيرون أنهم كلما زادوا من ساعات النوم كان ذلك صحيًا بشكل أكثر، وهذا اعتقاد خاطئ – كما يقول أهل الطب-إذ لو كنت تنام مدة خمس ساعات بالليل فقط، وتشعر بالنشاط في اليوم التالي فإنك لا تعاني من مشكلات في نومك.
بل يشير المختصون إلى أن من الخطأ الاعتقاد بأن الوقت الصحي للنوم هو 8 ساعات لمن تجاوزت أعمارهم الخمسين عاماً، و ثمة دراسات أثبتت أن النوم لمدة 6 ساعات كاف في الحصول على الراحة وتحقيق أكبر فائدة ممكنة لصحة الإنسان، وأن ذلك يمثل وضعاً طبيعياً صحيحاً للجسم، ولهذا ينبغي التعامل مع (النوم) بوصفه حاجة للجسم لابد من تحقيقها، لا باعتباره لوناً من المتعة يتم الاستكثار منها.
* قبل العودة من الإجازة ..غيّر إطار تفكيرك:
يشعر الكثيرون عند عودتهم إلى أعمالهم بعد انقضاء الإجازة السنوية بشيء من الكآبة جراء تحمل الهموم والمشكلات الناشئة عن بداية العمل وانتهاء وقت الراحة، وهذا الشعور لا يغير من واقع الحال شيئاً، فالإجازة قد انتهت، والعمل قد أقبل شئنا أم أبينا.
فمتى فرغت من إجازتك، فاحرص على أن تأتي للعمل بروح جديدة، مليئة بالحيوية والنشاط، والرغبة في النجاح والتجديد وإحداث التغيير، ولتستفد من هذا الهدوء في إعادة النظر في طبيعة الأعمال التي تمارسها بشكل روتيني، والتفكير في طرائق التجديد التي يمكنك تنفيذها لكي تضفي على العمل الممل طعماً رائعا جديداً.
إنك بذلك تصنع من الليمون الحامض شراباً حلواً، فإننا مهما تحدثنا عن حموضة الليمون وصعوبة تجرعه فلن يخفف ذلك الحديث من طعم الليمون شيئاً، ولن تحل المشكلة، غير أن وضع قطع السكر على ذلك العصير الحامض يمكنه أن يحل المشكلة.
إذا فالحل في تغيير تصوراتك القديمة عن عملك ورتابته وإملاله، و اتخاذ عدد من الخطوات العملية لإضفاء السكر، وستجد نفسك وقد أصبحت أكثر إقبالاً ونشاطاً وإنتاجاً.
أخيراً .
حذاري من تجميع الإجازات وجعلها رصيداً ، وتأجيل المتعة المنتظمة إلى حين التقاعد والاستقالة، فإنك لا تدري عن حالك يومها، وهل تدركها أصلاً .
دمتم بخير ،،
محمد بن سعد العوشن
فالإجازة "عملية ترميم شاملة للنفس والجسد"..
تتضمن إصلاح الخلل، وتفقد جوانب النقص، وتعديل المعوجّ، وإعطاء النفس راحة بعد طول عناء، واستجماماً واسترخاء بعد كدّ وعمل متواصل طوال العام.
وهي تأتي لتعوّض النقص الحاصل في تلبية حاجات النفس والجسد خلال أيام العمل والجدّ، ولا يشعر بطعمها الحقيقي إلا من كان في باقي أيامه منهمكاً في خضم العمل.
أما النائمون طوال العام..
الذين لا يحملون بين جنباتهم أي اهتمامات أو مشاريع، الذين أعطوا أجسادهم كل ما تريد من راحة ومتعة واسترخاء، وأعطوا أنفسهم كل ما تشتهي، فليس هناك من جديد يرونه في الإجازة، بل ربما أصبحت الإجازة في أنظارهم هماً وغماً لتواصل الفراغ بالفراغ، فترى الواحد منهم يفرح لانتهائها، ويسعد بانقضائها..
خلافاً للناجحين الذين يضعون لأنفسهم الخطط التي تجمع بين حصول الراحة والترفيه والاستجمام والاسترخاء من جهة، وبين إنجاز مشاريعهم الشخصية التي لم تكن لتنجز لولا هذا التفرغ، إذ إنهم لا يرون في الأعمال والمشاريع تكليفاً بل تشريفاً، ويعتبرونها منحة حين يعتبرها غيرهم محنة وبلية.
لذا:
التزم بأخذ إجازة منتظمة من عملك، برمج فيها وقتك، وأعط نفسك حقها من الراحة والسكون، واقتطع جزءاً منها للاستطلاع والسفر، والتغيير في المأكل والمشرب والملبس، وأعط أهلك من وقتك نصيباً تدخل به السرور عليهم، وتنمي معرفتهم، واجعل من وقتك نصيباً آخر للتفكر والتأمل والمراجعة للمسيرة، والتخطيط للمستقبل، فبها تحلو الإجازة وتزدان وتتحقق فائدتها المثلى.
* إجازة طويلة أم قصيرة ؟
بينما يتمتع البعض بأخذ إجازة طويلة لا تقل عن شهر متواصل، يرى غيرهم أن الإجازات القصيرة المفعمة بالجدة والحداثة أكثر فائدة وأقوى أثراً، فالإجازة الطويلة تعوّد الإنسان على الكسل والخمول، وتكرّه إليه العودة إلى العمل مرة أخرى، وتحتاج إلى عمل مكثف يسبقها لتسليم المشاريع والأعمال القائمة، إضافة إلى أن أيامها تمر دون أن يشعر صاحبها بأنه قد استمتع فيها بما يريد.
والأمر مختلف في "الإجازات القصيرة" إذ يتم استشعار أيامها، وجدولة المرح والراحة والسفر فيها بشكل أكثر دقة مما يجعل الشخص يشعر بكل يوم يمر، ويحس ببركة اليوم وألوان المتعة والترفيه التي أمكن عملها خلال هذا الوقت، كما أنها لا تحتاج إلى ترتيب مسبق للأعمال القائمة لدى الموظف إذ سرعان ما يعود إلى عمله لاستكماله، كما أن العودة للعمل تكون أكثر سهولة على النفس وأيسر.
كما يمكن أن تخصص كل إجازة قصيرة لقضاء أمر من الأمور، أو زيارة منطقة لم يسبق زيارتها، أو بلد جديد يختلف عن البلد المزار في الإجازة السابقة، مما يعني تغييراً أكبر في حجم الاستفادة من الإجازة، وهو ما يعطي شعوراً بطول الأيام التي نقضيها في الإجازة خلال العام.
فإن كان زمام إجازتك بيدك، وكانت وجهتك قريبة، فجرّب الإجازات القصيرة ( 8 إلى 10 أيام)، وستجد أنك تعود بنشاط وحماسة وتجديد أكثر من ذي قبل، وهو رأي مجرب، وإن كان الأمر كما قيل:
لكل امرئ من أمره ما تعودا
* الإجازة ليست ضياعاً !
يتعامل البعض مع الإجازة وكأنها وقت مخصص للإضاعة، وأن إشغال وقت الإجازة بغير ذلك خطأ، وهذا المفهوم غير صحيح البتة، فالراحة والاسترخاء وإعطاء النفس مرادها أمر مهم فعلاً، لكن توظيف الإجازة لتحقق الأهداف المحددة أمر مهم كذلك.
فهناك حاجة لتقسيم أوقات الإجازة لتحمل بين طياتها جزءاً للراحة والنوم والاسترخاء بعد الكد والتعب، وجزءاً للقراءة والتأمل والاطلاع، وجزءاً للاستكشاف والاطلاع، وأجزاء أخرى لصلة الرحم وإدخال السرور على الأهل والأبناء والأقارب.
ويمكن أن تصبح الإجازة منطلقاً لبناء الذات، في الجوانب الروحية، والمعرفية، والثقافية، وفي مجال العلاقات، وهي بهذا الاعتبار وقت عمل حقيقي، لكنه من نوع آخر، يتميز بدرجة أعلى من الحرية في تنظيمه وإدارته وتوجيه لتحقيق الأهداف الفردية.
* الإجازة ليست نوماً:
يعتقد كثيرون أنهم كلما زادوا من ساعات النوم كان ذلك صحيًا بشكل أكثر، وهذا اعتقاد خاطئ – كما يقول أهل الطب-إذ لو كنت تنام مدة خمس ساعات بالليل فقط، وتشعر بالنشاط في اليوم التالي فإنك لا تعاني من مشكلات في نومك.
بل يشير المختصون إلى أن من الخطأ الاعتقاد بأن الوقت الصحي للنوم هو 8 ساعات لمن تجاوزت أعمارهم الخمسين عاماً، و ثمة دراسات أثبتت أن النوم لمدة 6 ساعات كاف في الحصول على الراحة وتحقيق أكبر فائدة ممكنة لصحة الإنسان، وأن ذلك يمثل وضعاً طبيعياً صحيحاً للجسم، ولهذا ينبغي التعامل مع (النوم) بوصفه حاجة للجسم لابد من تحقيقها، لا باعتباره لوناً من المتعة يتم الاستكثار منها.
* قبل العودة من الإجازة ..غيّر إطار تفكيرك:
يشعر الكثيرون عند عودتهم إلى أعمالهم بعد انقضاء الإجازة السنوية بشيء من الكآبة جراء تحمل الهموم والمشكلات الناشئة عن بداية العمل وانتهاء وقت الراحة، وهذا الشعور لا يغير من واقع الحال شيئاً، فالإجازة قد انتهت، والعمل قد أقبل شئنا أم أبينا.
فمتى فرغت من إجازتك، فاحرص على أن تأتي للعمل بروح جديدة، مليئة بالحيوية والنشاط، والرغبة في النجاح والتجديد وإحداث التغيير، ولتستفد من هذا الهدوء في إعادة النظر في طبيعة الأعمال التي تمارسها بشكل روتيني، والتفكير في طرائق التجديد التي يمكنك تنفيذها لكي تضفي على العمل الممل طعماً رائعا جديداً.
إنك بذلك تصنع من الليمون الحامض شراباً حلواً، فإننا مهما تحدثنا عن حموضة الليمون وصعوبة تجرعه فلن يخفف ذلك الحديث من طعم الليمون شيئاً، ولن تحل المشكلة، غير أن وضع قطع السكر على ذلك العصير الحامض يمكنه أن يحل المشكلة.
إذا فالحل في تغيير تصوراتك القديمة عن عملك ورتابته وإملاله، و اتخاذ عدد من الخطوات العملية لإضفاء السكر، وستجد نفسك وقد أصبحت أكثر إقبالاً ونشاطاً وإنتاجاً.
أخيراً .
حذاري من تجميع الإجازات وجعلها رصيداً ، وتأجيل المتعة المنتظمة إلى حين التقاعد والاستقالة، فإنك لا تدري عن حالك يومها، وهل تدركها أصلاً .
( إن العقل قادر على أن يصنع من الجحيم نعيماً، ويصنع من النعيم جحيماً )
جون مولتون
دمتم بخير ،،
محمد بن سعد العوشن
@binoshan
10:04 ص