هرمنا .. فأين إكسير الشباب؟
نعيش يومنا وكأنما عمر الشباب والقوة والنشاط سيلازمنا دومًا، ناسين أو متناسين أننا سنودع هذا العمر المملوء حيوية وقوة ونشاطاً، ونصبح إن أمدّ الله في أعمارنا – من المسنين، وسوف نعجز عن ممارسة الكثير من الأنشطة والفعاليات التي يمكننا اليوم ممارستها.
وسوف يأخذ أصدقاؤنا في مغادرة الدنيا واحدًا بعد الآخر، وسيكبر الأولاد ويغادرون المنزل لبيوتهم وحياتهم الجديدة الخاصة بهم، وسوف تحدث تغييرات كثيرة فينا وفيمن حولنا، وهذا أمر طبيعي يحصل للناس كلهم، لكن كثيرين – وأنا أحدهم- لا نخطط لذلك المستقبل جيدًا، بل نستمر على وتيرتنا الحالية حتى نكتشف أننا قد هرمنا فجأة.
وقد يسأل البعض: وما الذي يمكننا أن نصنعه لنمنع الهرم فلا تمر بنا تلك المرحلة، وهل ستحدّثنا عن عقار النشاط والشباب، وأكسير الحياة الذي يعيد الشيخ شاباً؟
والحقيقة أنني لا أعرف شيئًا يمكنه منع الهرم، ولا تأخير الشيخوخة، لكنني أعرف الكثير مما يمكن فعله اليوم لهرم أكثر سعادة، وشيخوخة أطيب عيشًا، ويبقى ذلك من فعل السبب، وإلا فالمقادير والأعمار بيد الله، فلا يدري الواحد منا هل يمهل الله له حتى يدرك الهرم أم لا؟
أحد أهم الأشياء التي يفترض بالمرء فعلها ألا يستسلم للشيخوخة، ولا يقنع نفسه يومًا أنه قد فات الأوان، وأنه الآن في مرحلة الاستسلام ولزوم الدار وانتظار الموت..
بل ليستيقظ من نومه وكأنه سيعمّر مائة عام، أو تزيد، فلا يتوقف عن الأمل والتخطيط والأهداف والطموحات، فتلك “وقود الحياة” التي متى ذهبت؛ توقفت الحياة فعلاً حتى لو كان المرء في الثلاثين أو الأربعين.
ومن عوامل الشيخوخة الطيّبة:
أن يستمر المرء في التعلم والاستكشاف، فالتعلم المستمر ينشّط العقل ويحرّكه، كما أنه يضيف للمرء من المعلومات ما يستحق أن ينصت له الناس من أجله، فيسعدوا ويسروا بكلامه.
كما أن شغف التعلّم يجعل المرء مستمرًا في الاستمتاع بلذة الاكتشاف والمعرفة، وانشغاله بهذا التعلّم يأخذ منه وقتًا طويلاً، فينصرف عن الأحاديث الفارغة، والانشغال بلوم هذا وذاك، والندم الذي لا يصنع شيئًا. وكان ولا زال الكتاب ومصادر المعرفة الأخرى أوفى صديق لا يكل ولا يمل ولا يذهب، والناس بخلاف ذلك إلا ما رحم ربي.
ومن عوامل الشيخوخة الطيّبة كذلك :
أن يعتقد المرء أن سعادته وحياته بيده هو، وليست مرهونة بأحد من الناس، فلا يرهن السعادة بزيارة الأولاد، أو لقيا الأصحاب، فذلك يعني أنه لا يملك التصرف في حياته، بل أن زمام أمره، وسعادته، وحزنه مرهونة بما يقرره الآخرون، وهذا الأمر في غاية الإحباط.
ومن عوامل الشيخوخة الطيّبة:
تنويع الأصدقاء، والحرص على إضافة أصدقاء جدد أقل عمرًا، ممن تجمعك بهم اهتمامات مشتركة، علمية، أو رياضية أو غيرها، فذلك يعني في نهاية المطاف أن يستمر أصحابك معك، يساندونك، ويسعدونك، ويعرضوا عليك دومًا الحضور للمناسبات المختلفة، والفعاليات المتنوعة، والجلوس أو السفر معك، فإن كان أصدقاؤك محصورين فيمن كانوا في عمرك فسوف تشعر أن عددًا منهم لم يعد قادرًا أو راغبًا في الخروج من عزلته التي فرضها على نفسه، فضلا عن تناقصهم التدريجي من جراء المرض أو الموت.
وهؤلاء الأصدقاء الأصغر سنًا هم غالبًا سيكونون أطول بقاء ممن هم في سنك، فضلاً عن المعارف والمعلومات والخبرات والأحاديث المتجددة التي ستسمعها منهم، فتضيف لعمرك أعمارًا، وتصبح من بين أقرانك الكبار متميزًا بحيويتك ونشاطك وهمتك..
ومن عوامل الشيخوخة الطيّبة:
أن تجعل لنفسك أبوابًا من الخير لا تتوقف عنها، فتجعل القرآن جليسك، والصلاة مع الجماعة والتبكير إليها هجّيراك، والقيام على المحتاجين عادتك، فالطاعات والإحسان للخلق من أعظم ما يحفظ على المرء جوارحه وعقله وصحته.
ولا زال في الأمر المزيد لبسطه والحديث عنه في قابل الأيام بإذن الله، أسأل الله تعالى أن يبارك لكم في أعماركم وصحتكم وجوارحكم كلها حتى تلقوه على خير حال.
دمتم بخير،،،
محمد بن سعد العوشن
10:48 ص
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذفكلنا ذاك الرجل. كل إنسان في العالم له حياته الخاصة
ردحذفوالقلة من يجعلها مميزة
زادك الله بسطة في الفهم والعلم
ردحذف