لا تسعّر طعامك!
يكون المرء منطقيًا أحيانًا في موضع ليس للمنطق فيه موضع!
ويحرم نفسه من أمور وأشياء تحت ذريعة (هذا تلاعب في الأسعار ومخادعة لا يمكن قبولها).
ولربما سكن المرء أحيانًا في فندق ذو خمس نجوم، أو في فندق بمنطقة بعيدة عن المدينة، يندر الوصول إليه، أو يكون في المطار، أو في قرية تقل فيها الخدمات من هذا النوع، ويكون في حاجة لهذه الخدمة المقدّمة أو تلك ويمنعه من الاستفادة منها أو شراؤها أو اقتناؤها.. أن (سعرها مبالغ فيه)، وربما كان أضعاف السعر الأصلي لها!
لذا يرى أن كرامته، وعزّته، وقوّته تكمن في الامتناع عن الاقتناء وحرمان نفسه من ذلك لأجل تأديب هؤلاء الذين يستغلون المواقع بكل جشع، ولا يخشون من رقيب أو حسيب.
إنني أدرك أن ثمّة استغلالاً وخداعاً – إن صح أنه خداع فعلاً – يوجد أحياناً.
وإنني أعترف -و لأول مرّة – أنني كنت من هؤلاء الذين يرون أن الشراء في هذه الحالة – حتى لوكنت بحاجة للطعام أو السلعة – يعتبر قبولاً بالإذلال والخداع من هذا التاجر الطمّاع، وأن الامتناع عن الشراء لتأديبه هو أكثر إبهاجاً لنفسي، وتحقيقاً للرضى الداخلي (المزعوم)، لقد كنت – في الحقيقة – أخدع نفسي!!
كنت – وإلى وقت قريب – إذا دخلت مطعمًا أو مقهى لأجلس فيه وأتناول شيئًا من أطعمته أو أشربته، فيكون أول ما ألقى عليه نظري (قائمة الأسعار) وأجعلها أحيانًا أحد المقاييس لاختيار الطعام، مع الاهتمام طبعاً بالنوع والطعم والشهرة.
وربما دخلت المطار مرّة فلم أشرب شيئًا مع رغبتي في ذلك، مع مكثي ساعة أو ساعتين، لأن الأسعار غير عادلة! وأقول لنفسي: لا يكافئ هؤلاء الطمّاعون بالشراء منهم.
لكنني اليوم أزعم أنني تغيّرت! وأرجوا أن تتأملوا الأمر فربّما تغيرتم، أو أنكم من المتعافين أصلاً، وذلك أنني بدأت أتفهم أموراً في هذا السياق ..
أولاً: ارتفاع السعر له مسبباته غالبًا فطبيعة المكان، وأسعار الإيجار فيه، وصعوبة الوصول، ونوعية وحجم المكان والأثاث وعدد فريق العمل ونوع الفريق، وكل التفاصيل ذات الصلة مؤثرة جدًا في موضوع السعر فضلاً عن حجم المبيعات، ونقل البضائع، والمنافسة للحصول على هذا الموقع.
قد لا يكون الارتفاع بهذا القدر مبررًا كلّه، لكن المقارنة بالسوق ليست عادلة كذلك، فمن يستأجر محله بخمسين ألفًا سنويًا لا يقارن بمن يستأجره بخمسين ألفًا شهريًا.
ولو تأملت فيما تدفع قيمته أحيانًا لوجدت أنك تدفع قيمة المكان، قيمة الإطلالة، قيمة السمعة والمكانة، قيمة الوجاهة والمظهر، قيمة الجلسة والاجتماع المميز.
وأنت في كثير من الأحيان لا تطلب (الخدمة) ثم تذهب، بل تجلس طويلاً وتأخذ حيزًا، مما يعني أنك في الواقع استأجرت مكانًا للجلوس وحرمت المطعم أو المقهى من زبائن آخرين.
كما أن مبلغ التوفير – لو لم تشتر من هؤلاء – ليس كثيرًا في نهاية الأمر فقد يكون عشرات الريالات في غالب الأحايين، وهو مبلغ أقل من أن تكدر صفوك أو تؤجل متعتك أو تحرم نفسك لأجله، مع أنك ربما أنفقت أضعاف هذا المبلغ دومًا في غير وجهه.
ففي المطار، وفي السفر تدفع ألوف الريالات، ثم تماكس في عشرات الريالات التي تكمل المتعة!
وأوصيك هنا بأن تترك عنك دعوى التأديب المزعومة، فهم أولاً – أعني التجار – لم يعلموا بك، ولم يشعروا بوجودك، أو انصرافك، ولا تهمهم انطباعاتك الخاصة، ثم إن طوابير المشترين والمستفيدين أكبر من أن تجعلهم حريصين على سماع وجهة نظرك، أنت في الحقيقة إنما تحرم نفسك مما تحتاجه، وأخص بالذكر الحالات التي تكون زيارتك لهذا الموضع أو ذاك قليلة أو نادرة، وليست سلوكاً يومياً تصنعه بحيث يجدي فيه البحث عن البدائل.
لهذا، خذ نصيحتي التي عملت بها حديثاً فوجدت ارتياحاً نفسياً كبيراً : إذا ذهبت لمطعم مميز، أو لمطار، أو في منتجع سياحي، أو على شاطئ جميل، وأردت طعاماً فوجدته، فلا تسعّر طعامك حين تشتهيه، ولا مشروبك حين تكون مريداً له، ولا تتوقف عن شراء سلعة أو خدمة تحتاجها الآن لأنها في مكان أو وقت آخر ستكون بمبلغ أقل.
وقتك أهم، ومتعتك الآنية أهم، واستفادتك من المرافق المتاحة، والخيارات الموجودة أولى من التقتير على نفسك لأجل مبلغ يسير، و(نفسك) تستحق منك إكراماً وتقديراً واهتماماً، فلا تبخل عليها.
دمت موفقاً
محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بالعمل الخيري
1:21 م
لقد حجرت واسعااا
ردحذفولكن نقول.. الله يرزقنا من واسع فضلة حتى لا نسعّر ما نشتهيه