لغة القالب

«طلاب المنح» سفراء قوتنا الناعمة

لم تعد “القوة الفعلية” وحدها اليوم هي الوسيلة الأنجح في تحقيق الانتصارات وتجميع المناصرين، فمع التغيّر الكبير الذي حدث في مجال التعليم والإعلام والعلاقات والتقنية، تغيرت الوسائل كثيراً، وبات بإمكان دولة ما أن تحدث تغييراً كبيراً في دولة أخرى، فكرياً كان ذلك التغيير أو سياسياً أو اقتصادياً دون إراقة قطرة دم واحدة، ودون أن تكون حاضرة في المشهد أصلاً. وذلك من خلال ما اصطلح على تسميته بـ(القوة الناعمة)، التي هي على خلاف القوة الخشنة المتمثلة في التدخل العسكري بأنواعه.
 ويعتبر (التعليم) أحد أهم هذه الأدوات، وأعمقها تأثيراً واستدامة، حيث تقوم الدول التي ترغب في إحداث التغيير باستقطاب الطلاب من شتى دول العالم من أجل أن يتعلموا في جامعاتها، وينظروا في نموذجها الذي اختارته للعيش، ويقتنعوا بجدواه وفاعليته، ثم يذهبوا بعد ذلك لدولهم – وبدون توجيه مباشر لهم – ليكونوا سفراء غير رسميين، حاملين لروح البلد الذي تعلموا فيه، ناقلين له، ومعجبين به.

 لذا كانت وما زالت الدول الراغبة في التأثير تواصل الاهتمام بالمنح الطلابية التعليمية الخارجية، حيث تصنع تلك المنح الكثير، فيصبح للدولة أنصار في دول العالم، يقفون معها حين تتعرض للأذى، ويؤثّرون على القرار السياسي في بلدانهم لصالحها، وينشرون فكرها، وحين يصل أولئك الطلاب لمناصب كبرى في دولهم؛ فإنهم يحرصون على ردّ المعروف، والوفاء لمن أحسن إليهم وعلّمهم. وربما أصبح هؤلاء الطلاب أنصاراً للمنهج العقدي الذي تتبناه الدولة، فيغدو أتباعه – بعد مدّة – بالملايين، ويكون انتشاره ذائعاً في العالم كله؛ بفضل تلك القوة الناعمة.

غير أنه لكي تكون هذه القوة الناعمة مؤثرة فعلاً؛ فإن الحاجة ماسّة لـ (إتقان عملية الاختيار) للطلاب الممنوحين، من خلال أدوات ومقاييس وخبراء يمكنهم أن يصطفوا من عموم المتقدمين من يُتوسم فيهم النبوغ والتميز، ومن لديهم من السمات الشخصية والقيادية ما يؤهلهم للتأثير الإيجابي بعد عودتهم لبلدانهم، فيكون الواحد منهم بألف رجل.

أما حين تكون عملية الاختيار بسيطة وعشوائية، فمن المتوقع أن تذهب الجهود والأموال مع أشخاص بسطاء لا يمكن للواحد منهم التأثير على أهل بيته، فضلاً عن أن يعمّ تأثيره البلاد كلها.

ولأن بلادنا المباركة بمنهجها، وبموقعها، وبتأثيرها، وبوجود الحرمين فيها، وبكونها منطلق الرسالة المحمدية؛ لأنها تمتلك خصائص جذب رائعة لسائر الطلاب المسلمين في العالم كلّه، فقد كانت التوجيهات والموافقات تصدر للجامعات السعودية عموماً، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بالحرص على استقطاب طلاب المنح وتعليمهم.

 غير أن الملاحظ أن عملية الاختيار لا تتم – دوماً – وفق مقاييس دقيقة للسمات الشخصية، ولهذا يأتي طلاب مميزون، وطلاب ضعفاء، كما أن العناية بالطلاب بعد التحاقهم ليست بالمستوى الذي يتناسب مع أهمية الموضوع، فضلاً عن المعاناة الكبرى لطلاب المنح في الدراسات العليا الذين يواجهون مشاكل حقيقية فيما يتعلق بتأمين السكن لهم ولزوجاتهم، مع أنهم الأكثر تأثيراً حين يعودون لبلدانهم، وهم الذين يتوقع أن يترقوا في السلالم الوظيفية سريعاً.

 فما أحوجنا إلى قيام وزارة التعليم، والجهات ذات العلاقة – مشكورة – باعتماد مشاريع كبرى تستهدف العناية بهذه الفئة، وتلبية احتياجاتهم، وتذليل الصعوبات أمامهم، وتوثيق صلاتهم بالمؤثرين في مجتمعنا، وتقوية العلاقات معهم، وتطوير مهاراتهم، وإنشاء الروابط التي تجعل التأثير عليهم أكثر استدامة؛ من أجل أن نزيد من قوة بلادنا الناعمة، فيما يحقق المصلحة العامة، ويحقق مرضاة الله قبل ذلك وبعده.

دمتم بخير.

محمد بن سعد العوشن

تم النشر في صحيفة تواصل هــنــا
1:55 م

عدد المواضيع