التحدي العائلي
في دورية نصف سنوية لشباب العائلة في أحد الأسر بالرياض، اعتاد أولئك الشباب على الحضور في كل لقاء باعتباره واجباً أسرياً وصلة للرحم، ومجاملة اجتماعية، وكانت الأحاديث الجانبية سيدة الموقف، فهي النمط المعتاد في المناسبات السابقة كلها، ولأن العدد كان كبيراً فقد اعتاد كل واحد من هؤلاء الجلوس إلى من يعرفه جيداً، فيمضي ساعات اللقاء في الأحاديث البينية، وينتهي بالدخول إلى صالة الطعام حيث يتفرق الكثيرون بعد نهاية المناسبة.
وفي يوم مختلف، رغب أحد المشاركين المبادرين أن يصنع شيئاً مختلفاً وأن يوجد من الصلة بينهم ما يعيد للمناسبة روحها ووهجها، فأعلن عن مكافأة مالية مجزية لمن ينجح في التحدّي!، فحدّق الحضور به جميعاً، وسكتت أصوات الهمس التي كانت تعمّ المجلس، وأصغوا أسماعهم لحديثه..
فقال لهم : هذه المكافأة الضخمة ستكون من نصيب من يستطيع أن يخبرنا بالوظيفة التي يشغلها كل واحد من المشاركين في هذا اللقاء، فتلفّت القوم يمنة ويسرة، مؤملين أن يكون هناك من يبادر ويفتح الباب للسباق نحو تلك الجائزة.. غير أن الصمت عمّ المجلس، ولم تعد تسمع إلا همساً، فلم يتمكن أحد منهم من البدء لعلمه بأنه يجهل وظائف الأغلبية، ولأنهم يدركون أن هذه العلاقة هي علاقة سطحية فحسب، وحين فشل الجميع في هذا التحدي تحدّث المبادر عن حجم الصدمة في وجوه الحاضرين..
ثم انطلق إلى مبادرة أخرى حيث طلب من كل واحد منهم أن يعرف بوظيفته والجهة التي يعمل فيها بإيجاز، وكانت التعريف بمثابة صدمة أخرى لعدد منهم، ففي الوقت الذي ظن فيه الكثيرون أن أغلب الحضور كانوا من "المعلمين" فقد استبان لهم أن المعلمين في المجموعة لا يجاوزون الثلث، وأن البقية في وظائف متفرقة ومتفاوتة وجديدة على مسامعهم.
وقد نتج عن هذا التعارف تعديلاً وتغييراً في مسميات بعضهم البعض في جوالاتهم، إذ تمت إضافة جهة العمل كعنصر رئيس في المعلومات الشخصية، بل لقد اشتكى بعضهم من معاملة متأخرة له في أحد الجهات، فإذا به يكتشف أن قريبه يعمل في تلك الجهة، فتواصلوا بشأنها، واتفقوا على المتابعة سوياً لإنجازها وفقاً للأنظمة المتبعة.
واكتشف آخرون أن هناك قطاعاً يجهلونه تماماً، فسألوا صاحبهم عن هذا القطاع وطبيعته، ومهامه، والصعوبات التي تواجهه، والفرص المتاحة فيه، وتعلموا الكثير عنه.
واكتشف بعضهم أن جملة منهم يعملون في قطاع واحد، متعدد الفروع، وبعضهم أكثر خبرة من بعض، فتواصلوا بهدف تطوير خبراتهم في مجال الاختصاص.
وعرف الحاضرون أن من بينهم من يمكنه تقديم دورة تدريبية للبقية لمسيس حاجتهم للموضوعات التي أخبرهم أنه يدرب عليها، وأشار بعضهم إلى خبرته في المشتريات من بضائع محددة يحتاج إليها عدد منهم، فطلبوا منه أن يعطيهم من خبرته وتخصصه.
ووجد الحاضرون الأقارب أنفسهم وهم يعيدون اكتشاف أقاربهم، ويقوون صلاتهم، ويخدمون أنفسهم وأقاربهم.
وأدركوا حينها أنهم موعودون بالكثير من الفائدة والدهشة في آن، وأن اللقاءات التالية ستكون مختلفة كلياً عن كل ما سبقها، وأن مبادرة واحدة من أحد الحاضرين – كهذه المبادرة- من شأنها أن تقلب هذه المناسبة التي كانت كأنها مجلس عزاء صامت، إلى حال آخر وكأنها حفلة عرس عامرة..
ما أحوجنا في هذا الزمان لتقوية الصلات الاجتماعية – بعيداً عن التعصّب والعنصرية- وتوثيقها، وإقامة المناسبات العائلية المختلفة التي تحقق صلة الرحم، والخدمات المتبادلة من خلالها، وما أحوجنا إلى ابتكار وتطبيق الكثير من المبادرات الذاتية لتقوية الصلة بين ذوي الأرحام، وترغيبهم في الحضور والتفاعل الإيجابي مع بعضهم البعض.
فما أنتم فاعلون؟
دمتم بخير.
محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري
@bin_oshan
7:40 م