لغة القالب

السلال الغذائية وأهمية التغيير

 في ظل تغير المجتمعات، وتعدد الحاجات، وتطور التقنيات، فإن العاملين في القطاع الخيري هم أولى الناس بالتعامل مع تلك المتغيرات العديدة، وتوظيف كافة المستجدات والتقنيات في خدمة أهدافهم المجتمعية الرائعة.

فمن غير المنطقي في عصر التقنية، والمتاجر الإلكترونية، وخدمات التوصيل المتقدمة أن يكون لدى جمعيات البر مستودعات كبرى لحفظ وفرز وتوزيع السلال الغذائية على المحتاجين.

إن فكرة السلة الغائية اليوم هي أشبه باستخدام العربة التي تقودها الدابة في عصر سيارات القيادة الذاتية!.

نعم فالسلال التي تتم تعبئتها - في بعض الجمعيات - بتقليد ومحاكاة لنماذج سابقة وقديمة كانت فاعلة في حينها، دون مراعاة لاحتياجات المستفيد النهائي اليوم، تعد هدرا فعليا يستوجب المراجعة وإعادة الدراسة، وأن يكون من أدوار الفقيرنفسه المساهمة في اختيار السلع  التي يحتاج إليها وفقاُ لوضعه الراهن وطبيعة استهلاكه، لا أن نقرر نحن للأسرة كمية محددة من السكر أو الزيت أو الفول، ولا أن نفترض أن هذه الأنواع المدرجة في السلة هي الاحتياج الفعلي لكل فقير.

ولأن كانت السلة في زمان مضى خدمة تعدّ في غاية الأهمية لعدم توفر المتاجر وقربها من المحتاجين، وعدم قدرتهم على تأمينها بأنفسهم، فإن الوضع اليوم اختلف بشكل كلي.

وفي هذا السياق سمعت حديثاً لبعض المهتمين بالفقراء، وقد أشار في حديثه إلى مشكلة كبرى، وهي أن احتياجات مهمة جداً للفقير لا تلبى، بينما توفر له خدمات أخرى هو لا يحتاجها أو يكون احتياجه له محدوداً.

وقد استمعت إلى أحد الباحثين الذين قاموا بدراسة ميدانية قارنوا فيها بين آراء وتوجهات العاملين في عدد من جمعيات البر، بالإضافة إلى آراء عدد من المستفيدين من خدماتها، وقد أبانت الدراسة عن وجود مشكلة و فجوة في فهم الاحتياج بين الطرفين!.

ففي الوقت الذي يتوقع العاملون في الجمعية أنهم يعملون على الاحتياجات الرئيسية للفقير، يفيد المستفيد بأن الجمعية مشغولة بتلبية الاحتياجات الأقل على حساب الاحتياجات المهمة - من وجهة نظره-.

ولهذا فإننا – في القطاع الخيري عامة، وفي جمعيات البر والجمعيات الشبيهة لها في الخدمة خاصة- مطالبون بإعادة النظر في وضع الشريحة المستهدفة، وإعادة قراءة المشهد، والاحتياجات، وتوظيف التقنيات الحديثة، وسلال الإمداد، والشراكات الاستراتيجية في تحقيق المتطلبات بشكل أكثر فعالية وتأثيراً.

وفي الوقت ذاته فإنني أرى أن التحول من السلال الغذائية إلى الحوالات المالية المباشرة على حسابات المحتاجين قد لا تكون هي الطريقة الأنسب لخدمتهم وتلبية احتياجاتهم الفعلية، فالكفاءة في إدارة المال، والقدرة على التعامل معه، وضبط الأولويات أمر تفتقر إليه الشريحة المستهدفة غالباً.

وأدعوك لقراءة تدوينة سابقة لي كانت بعنوان (السلال الغذائية الإلكترونية) باعتبار تلك الفكرة المطروحة في التدوينة : أحد نماذج التغيير المنشود التي تكون حلاً وسطاً بين التوزيع المباشر، وبين التحويل النقدي..

وما أطرحه في هذه التدوينة وأمثالها، هو من باب إبداء الرأي، وإثارة التفكير فيما اعتبرناه أحياناً من المسلمات.

وأنا على يقين أن هناك قرى وهجر ومواقع قد تتطلب توزيع السلال على ساكنيها لصعوبة الوصول، وتعذر الحركة، لكنها تبقى استثناء لا أصلاً يتم الاعتماد عليه.

ولا يفوتني في الختام أن أتحدث - وبكل فخر وثناء ودعاء وشكر - عن أولئك الرجال الصادقين، العاملين في خدمة المحتاجين، الباذلين أوقاتهم وجهودهم ومشاعرهم في ذلك الباب العظيم الأجر، يبتغون ما عند الله والدار الآخرة، وخدمة عباده، مذكراً نفسي وإياهم بالحديث الصحيح الذي رواه الشيخان ، قال صلى الله عليه وسلم:( الساعي على الأرملة والمسكين ، كالمجاهد في سبيل الله ، أو القائم الليل الصائم النهار).

دمتم بخير ،،،

محمد بن سعد العوشن

الرياض - حرسها الله -

26 ذو القعدة 1446هـ

3:37 م

عدد المواضيع