لغة القالب

بوصلة الأولويات!


في أثناء زيارتي لعدد من دول العالم الإسلامي، وتجولي في المدن والقرى والأسواق والمعالم السياحية، والمرافق العامة، كنت أتفاجأ بـــ عدم حضور "الصلاة" في المشهد الحياتي بالشكل الذي يليق بها باعتبارها عمود الإسلام، وأهم أركان الإسلام التطبيقية، واعتبارها معياراً للتفريق بين المسلم وغير المسلم، رغم توافر النصوص كتاباً وسنة في الإعلاء من شأنها والحث عليها، وتوضيح خطورة التفريط فيها.

وأنا هنا لا أتحدث عن الصلاة في المساجد أو صلاة الجماعة، بل عن أداء الصلاة المفروضة في وقتها فحسب، حيث يتجلى هذا الغياب في استمرار الناس في حياتهم وأعمالهم دون أن يرفع صوت الأذان، ودون أن تفرق بين وجودك في بلد مسلم أو غير مسلم، إذ تشابهت الألبسة والأزياء والمظاهر الخارجية بشكل لافت للنظر.

لقد سافرت لعدد من البلدان غير العربية والتي يشكل المسلمون فيه أكثرية، وكنت قد رسمت صورة في ذهني عن تمسك الناس بشعائر دينهم الرئيسة، ومن أهمها الصلاة، لكنني كنت أتفاجأ في كل مرة بذلك الغياب المخيف.

وأسوق هاهنا نماذج لذلك الغياب الذي أتحدث عنه، فمن ذلك عدم رفع صوت الأذان ابتداء، فلولا وجود التطبيقات في الجوال، لما علمت بدخول وقت الصلاة أصلاً، فلا يظهر في أي مكان ما يدل على أن الناس تنحوا جانباً لأداء الصلاة، فضلاً عن غياب أماكن أداء الصلاة، أو توافر سجاد الصلاة في الأماكن العامة أو الخاصة، وعدم وجود ما يشير إلى القبلة أصلاً، بل ربما سألت الكثيرين عن القبلة، فلم يعرفوا عن أي شيء تسأل، فضلاً عن معرفة اتجاه القبلة، ولم أجد في الكثير من الحالات أي نموذج لصلاة الجماعة في ذلك السوق أو المنتجع أو المنتزه، فإن كان هناك من يصلي فإنه ربما صلى خلسة دون أن يراه أحد.

ومن نماذج هذا الغياب: خلو الكثير من الفنادق والشقق والمساكن فضلاً عن المطاعم والمرافق العامة من أي علامة تشير إلى اتجاه القبلة لمن أراد الصلاة، خصوصاً أنها أماكن يمر على الناس أثناء وجودهم فيها الكثير من الصلوات.

كل ما سبق في غياب "مظهر" الصلاة ابتداء، أما إن أردت الدخول إلى الصلاة ذاتها، فالكثير من المسلمين غير الناطقين بالعربية لا يحسنون قراءة الفاتحة فضلاً عن قصار السور، أما أذكار الركوع وما بعد الرفع منه، والسجود، والجلسة بين السجدتين، والتشهد، فذلك أمر أشق وأصعب، أما مسائل الصلاة الفقهية، وأركانها وواجباتها وسننها فشيء أكثر ألماً وغياباً.

إنني أشعر بأننا – أحياناً – وفي ظل انغماسنا في الكثير من التفاصيل، والقضايا الجزئية، والخلافات، نغفل عن الصورة العامة، وعن الأولويات، ولهذا تغدو الكثير من خلافاتنا وحواراتنا متجهة نحو "الطريق المنحدرة"، وأرى أن الواجب علينا – جميعاً - أن نعود إلى المربع رقم واحد، ونجعل "الصلاة أولاً" شعاراً تنطلق منه المشروعات في أنحاء العالم الإسلامي كله، بعيداً عن الخلافات الفقهية، ومسائل الفروع، حيث يتوجه هذا الإطار العام في مجال توعية كل المسلمين بأهمية الصلاة في وقتها، وتعظيم قدرها، وتعليمهم كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم مع العناية بالتبسيط والتيسير وعدم الانشغال بالتفصيلات الدقيقة، والاهتمام بإظهار هذه الشعيرة وجعلها سمة واضحة في المدارس والجامعات والمرافق الحكومية والخاصة، وفي المواقع السياحية بأنواعها، وتوجيه الموارد المالية والبشرية بكليتها نحو هذا الهدف الرئيس، فإنه إذا صلحت صلاة المرء صلح سائر عمله.

إننا مطالبون بـ تعظيم قدر الصلاة في نفوس الخلق، فهي صلة بين العبد ورّبه، وهي تذكير لكل مسلم بالرجوع إلى الله في اليوم خمس مرات، إنها تطهير مستمر من الأوساخ والقاذورات الحسية والمعنية، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم "أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا" رواه مسلم.

إننا بحاجة إلى إطلاق عشرات الألوف من المبادرات، من كل من يمكنه ذلك، وفي حدود ونطاق تأثيره، وباستخدام كافة الوسائل المتاحة، وبكل اللغات، ولكل الأعمار، في خطاب يجمع ولا يفرّق، يركز ولا يتشتت، ويتوجه إلى الصلاة فحسب، فإن التوجه لها في حقيقته إصلاح للنفس من داخلها، وهو تعليم للقرآن، وتصحيح للتلاوة، وتعليم للدعاء، وتربية على الخشوع والإخبات والتسليم لله، وهو اتباع لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو نجاة من النار لتلك الملايين من المسلمين الذين أفقدتهم الحياة المدنية، والأوضاع المعيشية، والانشغال المستمر، وشبكات التواصل أهم شعائر دينهم، وأكثرها أولوية.

نحن بحاجة إلى أن نجعل من  "تعظيم قدر الصلاة" ونشر الوعي بأهمية الصلاة والمحافظة عليها  قضية للكثيرين، ومشروع حياة، ومجال اختصاص، نحتاج إلى تخصيص الموارد واستغلالها لتحقيق أكبر أكثر ممكن، وإننا بعون الله قادرون. 

جعلنا الله وإياكم مفاتيح للخير، مغاليق للشر، ودلنا على ما فيه الخير والرشاد، إنه سميع مجيب.

محمد بن سعد العوشن

شهر الله الـمحرم 1447 هـ


5:58 ص

عدد المواضيع