الاحتفاء بالفشل!
تلك المحاولات التي ساهمت وتساهم بشكل فعّال في تحقيق التعلّم الذاتي، والمؤسساتي، والتي من خلالها يدرك الأفراد بوعي عميق: ما الذي يجدي، وما الذي يكون بلا جدوى.
وفي واقعنا المعاصر، نجد أننا نسرّ ونبتهج حين يتحقق النجاح، ونكرّم أولئك الناجحين، ونرفعهم فوق الرؤوس عالياً تقديراً لجهودهم ونجاحاتهم التي أحدثت أثراً على المجتمع، غير أننا نغفل - كثيراً - عن تقدير الذين حالفهم الفشل في طريقهم ومساعيهم، رغم بذلهم غاية الوسع والجهد، وفعلهم للأسباب، وبحثهم الدؤوب عن الحلول.
إذ ننظر إليهم بنظرة تقلل من شأنهم، بل ربما طالتهم الألسنة بالذم والتقريع.
ولعل أي قارئ يعود لتاريخ العلوم، والتقنيات الحديثة التي خدمت البشرية، وينظر في الاكتشافات المذهلة التي تحققت في المائتي سنة الماضية، فإنه سيرى -وبشكل واضح جلي- أن كل نجاح باهر، وإنجاز عظيم، جاء بعد العشرات أو المئات من المحاولات الفاشلة، والتي كان لبعضها نتائج سلبية كبرى، غير أنه تم احتمالها والقبول بها لأن مسار التعلّم الطبيعي، لا يكون إلا من خلال التجربة والخطأ ، وبشكل مستمر ومنتظم.
ويتحدث المهندس الروسي بيتر بالشينسكي المقتول عام 1928م عن ثلاث مبادئ جديرة بالعناية، للتكيّف مع المستجدات غير المتناهية في عالم اليوم، وفي حياتنا اليومية، وهي :
أولا : البحث الجادة والمستمر عن أفكار جديدة، وتجربتها، مع توقع أن يفشل بعضها، ولا يحقق مبتغاه، فالخوف من الفشل مانع عن الإبداع.
ثانيا : حين نجرب شيئا جديدا، فلنقم به على نطاق يكون من الممكن فيه النجاة في حال الفشل، وهو ما يعني أن تكون التجربة دوماً بخطوات صغيرة ، وفي الوقت ذاته فإنها كبيرة بما يكفي لإحداث الفرق ، دون الخوض في مغامرات كبرى تؤدي للانهيار في حال وقوع الفشل.
أم المبدأ الثالث فهو : حينما نبدأ في خوض التجارب، والمحاولات، فلابد من الحرص التام على البحث عن التغذية الراجعة، والتعلّم من الأخطاء أثناء التقدم نحو الأمام.
ومن خلال هذه الخطوات الثلاث، فإنه يمكننا في الحقيقة الاحتفاء بالفشل، والفاشلين، واستشعار أن الفشل هو الطريق – غالباً – الموصل إلى النجاح.
ما أحوجنا في حياتنا الشخصية، وأسرتنا الصغيرة، ومنظماتنا، ومجتمعنا أن نسمح ونشجع الجميع على أخذ زمام المبادرة، والسعي نحو تقديم الحلول لمشكلاتنا، وخوض الكثير من التجارب في سبيل ذلك، مع مراعاة تلك المبادئ الثلاثة، وتقبّل الفشل الذي وقع رغم كل المحاولات.
وإذا فعلنا ذلك فعلياً، وأوجدنا الأجواء المناسبة له، وتقبلنا بالكثير من الودّ حالات الإخفاق المتوقعة، فإننا موعودون بإذن الله بحاضر مشرق، ومستقبل مبهر، وأن نكون في مصاف الأمم التي تصنع فرقاً كبيراً في حياة البشرية المادية.
ويجب ألا ننتظر أن يكون ذلك بشكل كلي وشامل، وبقرار يصدره مسؤول، بل أن نبادر بأنفسنا ونفتح الباب في حدود صلاحياتنا الشخصية، ونطاق مسئولياتنا، ذلك أن النجاح بطبيعته يغري الآخرين بالاحتذاء والتقليد، فلنقدم نحن بذواتنا النموذج الأمثل للتكيّف مع المتغيرات، وتشجيع الإبداع، والمسابقة إلى الحلول.
وإلى ذلك الحين - وأرجو أن يكون قريباً- دمتم بخير ،،،
محمد بن سعد العوشن
الرياض -حرسها الله-
bin_oshan
1 شعبان 1444 هـ