12:52 ص

استطلاعات الرأي والأدلجة


إن استطلاع الرأي يمكن، من الوجهة النظرية، أن يكون أحد أشكال التكنولوجيا المحايدة.
 لكنه يلعب - بمجرد الشروع في استخدامه-  دورا في صياغة السياسات يخدم نوعا من الهدف الاجتماعي (المضاد).
فمن الجوانب التي تحمل في ثناياها أيدولوجية وهدفاً لمستطلع الرأي.
1- صياغة الاستفتاء وأسئلته التي يقدمها ..
2 - الحلول التي يطلب تقييمها ..


3 - نوعية من يجرى عليهم الاستفتاء..
4 - صدق النتائج التي يتم الإعلان عنها.

إن استطلاع الرأي مهما جرت صياغته في تعبيرات علمية، هو في المقام الأول أداة تخدم أهدافا محددة. ولا تتسم هذه الأهداف بالوضوح دائما.

لقد توصل أحد الباحثين اﻟﻤﺠربين في سلوكيات الجمهور، فيما يتعلق بطبيعة البحث السلوكي إلى النتيجة التالية: “أن البحث الميداني "الاستبياني" ينطوي ضمنا، في كل الأحوال، على نقطة انطلاق مصوغة في صورة مفهوم سواء كان المرء واعيا بذلك أم لا. فاختيار موضوعات البحث، وأسلوب المعالجة، أو التناول ينطويان على تقييم لا يعتبر علمياً.

ومع ذلك فمن المؤكد أن الحل في هذه الحالة لن يتمثل في إلغاء، أو حظر استطلاعات الرأي، بل يمكن أن يتمثل في أن نكرس أفكارنا لتحديد كيفية استخدام استطلاعات الرأي ومن الذي يستخدمها.

أمثلة على دخول الأدلجة في مجال استطلاعات الرأي:
- إعلانات التلفزيون
طرح أحد الاستطلاعات سؤالاً رئيسياً عن آراء الجمهور في الإعلانات التجارية في لتليفزيون، يقول السؤال : هل توافق أو لا توافق على أن مشاهدتك للإعلانات التجارية على شاشة التليفزيون، هي ثمن عادل تدفعه في مقابل تمكينك من مشاهدة برامجه?.
“ ولم يكن مستغربا أن يوافق ٨٠%  ممن أجابوا على السؤال، عام، ١٩٦٨ وأن يعترض  10% بينما لم يحدد الـ ١٠ % المتبقين موقفهم، مما يعطي الانطباع بإقرار الغالبية العظمى من جمهور المشاهدين (بافتراض أن العينة صحيحة إحصائيا) للأوضاع الاقتصادية القائمة، والتي تدعم التليفزيون التجاري.
إن الذين أجابوا على السؤال لم تقدم لهم بدائل أخرى عندما طلب منهم أن يحددوا موقفا من مزايا إعلانات التليفزيون.
إذ يمكن للمرء أن يفكر في أكثر من طريقة لصياغة السؤال، وعلى سبيل المثال يمكن أن يكون السؤال: هل توافق أو لا توافق على أن مشاهدة الإعلانات التجارية على شاشة التليفزيون هي ثمن باهظ تدفعه مقابل مشاهدة البرامج، وأن توفير طريقة أخرى للتمويل يمكن أن تكون أفضل “?
إن مثل هذا السؤال لا يعني ضمنا وسائل مختلفة لتغطية النفقات فحسب، بل يعني أيضا إمكان وجود أساس اجتماعي اقتصادي مختلف تماما للتليفزيون.

- إعلانات برامج الأطفال :
“ “لقد كلف مكتب استعلامات التليفزيون منظمة روبر بأن تكتشف الرأي الحقيقي للجمهور في هذه الإعلانات.
 فما الذي اكتشفته? هل اكتشفت، كما يشير العنوان الرئيس للبيان الصحفي، “أن ثلاثة من كل أربعة من الأمريكيين يقرون مبدأ الرعاية التجارية لبرامج الأطفال? “
الحقيقة أن ذلك لم يحدث وهو ما يتضح من القراءة المتأنية لسؤال روبر: والآن أود أن أسألكم عن الإعلانات في برامج الأطفال في التليفزيون، وأقصد بها كل أنواع برامج الأطفال.
 فبعض الناس يعتقدون أنه لا ينبغي تقديم أي إعلانات تجارية في أي نوع من برامج الأطفال، لأنهم يشعرون بأن الأطفال يمكن أن يتأثروا بها بسهولة.
 وهناك من يرى، رغم اعتراضه على نوعية معينة من الإعلانات، أنها في مجملها لا تسبب ضررا، بل يرون أن الأطفال يتعلمون من بعضها.
فما هو شعورك الخاص: هل ترى ألا تقدم أي إعلانات تجارية في أي من برامج الأطفال، أم ترى أنه لا مانع من وجودها مادامت لا تستغل الأطفال بوسائل مخادعة?
النتيجة : لا إعلانات ١٨ %  -  لا مانع من وجودها ٧٤ %  - لا أعرف ٨%

- الاستطلاعات والدور الإنجاحي للمرشحين، وللأفكار ..
هناك قدرة لاستطلاعات الرأي على تصوير مرشح ما على أنه الفائز أو الخاسر، ومن ثم قدرتها على تأدية وظيفة ذات إنجاز ذاتي.
 وطبقا لهذه النظرية فإن المرشح الذي تظهره الاستطلاعات الأولية متمتعا بالشعبية ومتقدما على منافسيه، يصبح في مقدوره اكتساب المزيد من التقدم على أساس ما يسمى بالتأثير “الإنجاحي “.
 والعكس يحدث مع المرشح الطموح الذي لا يحرز في الاستطلاعات الأولية سوى القليل من الأصوات.
 - استطلاعات حكومية..
في عام ١٩٦٩ تحدث الرئيس نيكسون إلى الشعب الأمريكي حول سياسته فيما يتعلق بفيتنام.
 وقد ذكر في حديثه أن هناك “أغلبية صامتة “ في أمريكا يشعر هو بأنها تؤيد موقفه.
 فما ذا فعلت منظمة جالوب وفقاً لرئيسها جورج جالوب ؟
"حسنا، لقد كلفنا -بعد انتهاء الحديث مباشرة-  مجموعة مدربة جيدا على إجراء المقابلات باستخدام التليفون، بالاتصال بخمسمائة شخص في أنحاء مختلفة من البلاد، ووصلتنا النتائج في نفس الليلة بطبيعة الحال، ثم جمعنا النتائج وصنفناها في اليوم التالي، وأبرقنا بها إلى صحفنا في تمام الواحدة مساء يوم الثلاثاء .
 إن الارتباط الوثيق لمعهد جالوب بالتوجه الرئاسي، والتوزيع الرسمي (السريع) على مستوى العالم الخارجي، الذي قامت به وكالة الاستعلامات الأمريكية لنتائج الاستطلاع ولتعليقات جالوب، كل ذلك يبين مدى العلاقة التي تثير شكوكا قوية حول استقلال عملية إنتاج المعلومات واستطلاع الرأي.

____________________
المادة مستخلصة من الكتاب الرائع : (المتلاعبون بالعقول)  تأليف: هربرت أ. شيللر -  ترجمة: عبد السلام رضوان

0 التعليقات:

إرسال تعليق