2:56 م

خمس وساوس عن التدوين!

يمتنع كثير من القادرين عن تدوين خبراتهم لأنهم يخضعون لمجموعة من الوساوس والأوهام المعيقة التي تسيطر عليهم وتجعهم غير مبادرين لذلك..

ومن تلك الوساوس والأوهام..

(1) وهم (عدم القدرة على الكتابة)، والتوهم بالحاجة إلى قدرات معينة لأجل احتراف التدوين وهي حجة داحضة، ذلك أن كثيراً من أولئك يكتب هنا وهناك، وقد تعلم القراءة والكتابة ودرس واختبر وكتب بحوثاً متنوعة، فالقدرة من حيث الأصل موجودة دون ريب.

كما أن الاتقان أمر يحتاج إلى مران مستمر، ومحاولات دؤوبة، ولا يأتي هكذا عبر الأمنيات كما أن التأجيل لا يجلب الخبرة، بل يضعفها.

فإذا كنت لا تتقن الكتابة فهذا يوجب عليك البدء الآن وفوراً بالكتابة، وفي كل مرة تكتب فإنك تنجح شيئاً فشيئاً.

(2) وهم (عدم وجود الوقت الكافي لتدوين الخبرات) وهذه وسوسة أضعف من أختها، فليس هناك إشكال في موضوع الوقت لدى كل الناس، إنما الأمر يعتمد على الأولوية التي تضعها لهذا الشيء أو ذاك، ولو أن أحدنا قام بكتابة وتسجيل وقته لمدة 3 أيام فقط لوجد أن ثمة ساعات طوال تصرف في غير طائل وتذهب في صغائر الأمور وفضولها، وسيجد أن الجوال الذكي وشبكات التواصل على اختلافها تأخذ من وقته واهتمامه جزءاً غير يسير، يكون فيها غالباً في موضع المتفرج والقارئ والمطلع على نتاج الآخرين وحياتهم ومشكلاتهم.

ولو مرض الواحد منا ولزم الفراش أياماً لترك كثيراً من الأعمال والمهام التي تأخذ وقته، كما أن جملة من تلك الأعمال التي تستغرق الوقت هي من الأعمال ذات الإنتاجية الأقل، فضلاً عن الوقت الكثير الذي يمضي في العلاقات الاجتماعية والأحاديث الجانبية، والزيارات المتنوعة.

(3) وهم (عدم وجود شيء مهم يمكن تقديمه للناس)، وهي وسوسة معتادة من ظلم النفس وعدم معرفة قدرها، والجواب عليها يسير جداً، ذلك أن المطالبة بالتدوين ليست مطالبة بالكتابة في كل فن، وعن كل شيء، بل عما تعرفه جيداً، وما منا من أحد إلا ولديه معارف تميز فيها، وخبرات أتقنها، وتجارب نجح أو فشل فيها.. ذلك أن التدوين ليس عن النجاحات فحسب بل عن الإخفاقات التي أدركها الواحد منا، وعرف أسبابها فهو يكتب للآخرين ليخبرهم أن هذا طريق غير سالك، فيختصر من أوقاتهم وأعمارهم الكثير ويريحهم من عناء التجربة مرة أخرى، وكم تعلمنا من الذين حكوا لنا عن اخفاقاتهم في كثير من الأمور وصغيرها فالتدوين هو كتابة التجارب، ونقلها للآخرين بهدف إثرائهم، وتعليمهم، وإرشادهم.

(4) وهم ( تعريض النفس للنقد)، وهذه الوسوسة قائمة على معلومات خاطئة أولها أن هذه التدوينة ستبلغ الآفاق فور نشرها، وأنها ستكون بين أيدي كل الناس حين نكتبها، والأمر ليس كذلك حيث سيطلع عليها في البداية عدد قليل، وستقوم أنت باختيار الأشخاص الذي ترسل إليهم، والمعلومة الخاطئة الثانية هي توقع أن الناس جالسون على طاولة المحاكمة يترقبون هذه التدوينة لكي ينتقدوها ويهاجموها ويبحثون عن مشاكلها وتجاوزاتها، وثالثها أن المدون افترض في نفسه أنه يجب ألا يقع في الخطأ، وأنه لا يكتب إلا صواباً خالصاً، والجواب عن هذه الوسوسة أن يدرك الواحد منا أنه حيث يبدأ في الكتابة فسيكون نطاق الاطلاع على تدوينته محدوداً لأن التدوين شيء، و النشر شيء آخر تماما فما تنشره سيصل لبعض المعنيين وستصلك -حتماً- رسائل تبارك جهدك وتشكر سعيك، وستصلك رسائل تقترح عليك الزيادة، أو تقترح عليك تناول جزء لم تتناوله تدوينتك، وتسألك عن بعض ما ورد عليهم من إشكالات تحتاج إيضاحاً، وقد يصلك بعض النقد غير البناء الذي يفترض أن لا يكون عائقاً، ولا يدفعك المعارضون لترك الخير لأجلهم.

وحين اتحدث عن التدوين والنشر الالكتروني فإنني أتحدث عن وسيلة تقنية تتيح لك حجب المقال بعد نشره إن بدا لك أنه من خلال النقد يحتاج إلى تغيير أو تعديل أو تم فهمه على غير وجهه، ولا يستغرق حجب المقال أو حذفه سوى بضع ثوان لا غير.

كما أنك قادر من خلال تقنيات النشر الالكتروني على أن تجري تعديلات على ما سبق نشره سواء كانت تلك التعديلات قليلة أم كثيرة، وسواء تم التعديل مرة واحدة أو مرات عديدة.

ومن تجربتي الشخصية في هذا المجال فإنني قد قمت بتغييرات وتعديلات وتطويل وتقصير وحذف وإضافة لما قمت بنشره مالا أحصي من المرات سواء كان ذلك من جراء نقد الآخرين وتصويبهم أو لأنني حيث أعدت قراءة التدوينة وجدت أن هذا الأمر أو الأسلوب غير مناسب، ولنتذكر دوماً أن الكتابة عمل بشري يعتريه النقص، وكما قال عبدالرحيم البيساني وهو يعتذر إلى العماد الأصفهاني عن كلام استدركه عليه: " إنه قد وقع لي شيء وما أدري أوقع لك أم لا؟ وها أنا أخبرك به وذلك إني رأيتُ أنه لا يكتب أحد كتاباً في يومهِ إلا قال في غَدِهِ: لوُ ُغَّيرَ هذا لكان أحسن ولو زيد هذا لكان يُستحَسن ولو قُدَّم هذا لكان أفضل ولو تُرِك هذا لكان أجمل. وهذا أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر".

(5) وهم (عدم المعرفة بكيفية النشر الالكتروني)، وهي وسوسة أيسر من أخواتها، فإذا لم يبق لديك سوى هذه فإني كفيل بإقناعك أنها عقبة بسيطة جداً، ذلك أن شركة جوجل قد أتاحت لك إنشاء مدونتك الالكترونية بخطوات سريعة جداً وهي أسرع في إنشاءها من البريد الالكتروني حيث لا يتطلب الأمر سوى الدخول إلى جوجل ثم كتابة Blogger حيث تفتح الرابط وتحدد اسم المدونة بالعربي والإنجليزي بحيث لا يكون الاسم محجوزاً من قبل، ثم اختيار أحد التصاميم المتاحة من جوجل بشكل جاهز، ثم كتابة التدوينة الأولى، واختيار زر النشر لتصبح مقالتك متاحة على الانترنت بكل سهولة ويسر. 

ويأتي بعدها دورك في نسخ الرابط ثم ارساله للمعنيين الذين سيقرؤونه ثم يوافونك بمرئياتهم وبهذه السهولة يمكنك التعديل والحذف والإضافة، ومع مرور الأيام، والاستمرار في النشر، ستبدأ في تطوير المدونة، وتعديل شكلها، ومعرفة إحصائياتها، وإتاحة التعليقات عليها، ونحوها من المهارات الإضافية.

أرجو أن أكون بتدوينتي هذه قد ساهمت في إزالة تلك الوساوس والأوهام، وأن أكون قد فتحت أمامك بصيص أمل نحو الشروع في التدوين، ونقل خبرتك، وضمان استمرار الإرث الذي يبقى بعد رحيلك.

دمت بخير ،،

محمد بن سعد العوشن


كتبتها لأول مرة في 25-5-1441


0 التعليقات:

إرسال تعليق