10:33 م

عمي إبراهيم في موكب الراحلين | محمد بن عبدالعزيز العوشن

هذه إلماحات سريعة من سن القلم ، عن ذلك العم الحاني والأب الثاني (إبراهيم بن محمد بن عبدالرحمن العوشن*) ، أسطرها بمداد من دمع ، وحبر من لوعة :
(1)  كنت خارجاً وإياه من إحدى الاستراحات متأبطاً ذراعه في عام ( ١٤٣٥ ) ، فسألني قائلاً :
وأنا عمك، أنا من مواليد عام ( ١٣٥٨ ) فكم يكون عمري الآن ؟
فيكون - رحمه الله  - قد عاش ( ٨٧ ) سنة ، جعلها الله شاهدةً له . 
والمدون في أوراقه الرسمية أنه من مواليد ( ١٣٥٧ )
(2) ولد في شقراء، وكان مرتع صباه في الطائف .
وتوظف عسكريًا في تبوك، ثم انتقل مؤقتاً إلى جدة .
ثم كانت بقية حياته في الرياض إلى حين وفاته .
إذ توفي ابوه وهو في صغره ، فكفله أبو الأيتام عمه إبراهيم العوشن - أنزل الله على قبره شآبيب الرحمة والرضوان - ولما  شب  عن الطوق يمم وجهه شطر تبوك موظفاً مع خال الملوك : الأمير خالد بن أحمد السديري - نور الله قبره وأعلى في الجنة قدره - مصاحباً هناك لشقيقه عبدالعزيز - رحمه الله - ، وعديله حمد العنقري -أطال الله بقاءه على عمل صالح-
(3) تزوج مرتين :
من ابنة عمه عبدالعزيز : خالتي نوره شقيقة والدتي، ولم تنجب منه.
ومن ابنة عمه إبراهيم : هيله - رحمهم الله أجمعين-، فأنجبت له أربعة أبناء ، وابنة.

(4)  التحق - أولاً - بالسلك العسكري ، وكان ضابطاً برتبة ملازم أول في تبوك ، ثم انتقل إلى الرياض  ، وترك العسكرية ، وتعين موظفاً في وزارة الزراعة حتى تقاعده .

(5) كان رحمة لأرباب المزارع ( الفلاليح ) ، فكان كثيراً مايقوم بخدمتهم ، وإزالة الأعباء التي قد تعترض مسيرة هذه المزارع .
جاءني رجل بقمي من : تربة البقوم في عام ( ١٤١٢ ) وأنا لا أعرفه ، لكنه صاحب سمت وديانة ، وكان ظاهر الوضاءة ، فسألني : وشو منك إبراهيم الذي يعمل في وزارة الزراعة ، فقلت له : عمي  ، فقال لي هذا البقمي : نبي منك فزعة ، نبي منه يزيل عنا مخالفة ، فخرجت لعمي من عملي ، وكنت حينها موظفاً في  : الرئاسة العامة للهيئات ، متأبطاً طلب هذا الرجل القادم من : تربة ، فدلفت عليه في مكتبه ، وكان مليئاً بالمراجعين ، فلما رآني هب من كرسيه متعجباً من مجيئي ، فأخبرته بالحاجة ، فغاب عني قريبًا من الساعة ، ثم عاد لي ، وقال : أبشرك ( شلناها عنه )!
ومن هنا تعرف من أين وصلت إلى أبنائه - بلا استثناء - صفة التفاني في الإحسان إلى الآخرين ، والسعي في إتمام حوائجهم .

(6) لم يكن مرضه الأخير جديدًا عليه ، فمنذ شبابه وهو يشتكي : قرحة المعدة ، ثم تعافى منها بعد ذلك - ولله المنة - جعل الله كل ذلك مكفراً لسيئاته .

(7) كان اجتماعياً إلى أقصى درجة ,  يفرح بالمناسبات واللقاءات ، ويشارك فيها بفعالية ظاهرة ، إلا أنه منذ خمس سنوات أحجم عن ذلك لظروفه الصحية ، ومع ذلك كان بيته ( قبلة ) وموئلاً ، يستقبل كل وافد عليه بابتسامته المعهودة .

(8) كان محباً لأسرته ، استشارني في أمرِ تلبية رغبة أبنائه ، وبالتالي انتقاله إلى شمال الرياض ، ليسهل على أبنائه أكثر : القيام على شؤونه ، وزيارته كل يوم ، خاصة بعدما فقد زوجتيه ، فأيدته على ذلك ، وقلت له : افعل وبلا تردد ، فلم يزد على أن قال : ( فرقى الجماعة _ وأنا عمك _ صعبة علي ) !!! ، فعلمت أنه لن يفارق جماعته ، ولو منحته الدولة بيتاً بالمجان في أرقى أحياء الرياض .

(9) في العامين الأخيرين كان يشعر بضيق في نفَسه _ أحياناً - ولم يكن يشتكي لأحد ، وتبين بعد ذلك أنه مصاب بتليف في الرئة فصار يحتاج إلى راحة دائمة ، وكان يتقلل من الحديث والكلام ، إلا حينما يُتكلم معه عن مرتع صباه : مدينة الطائف  !  فيصيبه نوع نشاط وأنس وسرور وسعادة ، ويبدأ يتحدث ويستطرد ، ثم يشعر بشيء من الجهد ، فيتوقف .

(10) كان جهوري الصوت ، يحرص على إقناع محاوريه بوجاهة رأيه ، وصواب وجهة نظره ، فيظن من لايعرفه أنه حاد الطبع ، ومن شاهد سرعة دمعته ، عرف رقة قلبه ، ولين طبعه .

(11) في آخر زيارة قمت بها له ، وكان معي - كالعادة-  بعض أبنائي ، فلما تشرفوا بالسلام عليه ، وتعريفه بأسمائهم ، قال له ابني عبدالوهاب ( ١٤ عامًا ) : أنا  عبدالوهاب ، فقال له عمي - رحمه الله بشيء من الابتسامة  : عبدالوهاب ، أظن ما في الأسرة من يحمل هذا الاسم سواك  .

(12) عندما دخلت مغسلة الموتى لمهمة تغسيله ، وكان ذلك بحضور أبنائه كلهم ، استأذنت ابنه الأكبر محمداً أن يضع على جسده الطاهر شيئاً من دهن العود الذي كان بحوزتي ، فأذن لي - شكر الله له - ، فكان هذا الطيب آخر ما مس جسده .

اللهم ارفع درجته في عليين ، واجعله من ورثة جنة النعيم ، واخلفه في عقبه في الغابرين ، واغفر لنا وله يا رب العالمين ، وافسح له في قبره ونور له فيه .

قاله بلسانه وكتبه ببنانه : أبو عبدالعزيز، محمد بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن العوشن

_______________________________

* توفي الفقيد إبراهيم العوشن رحمه الله يوم الثلاثاء التاسع من شهر رمضان 1445 ، وصلي عليه بعد صلاة الظهر من يوم الأربعاء 10 رمضان في جامع المهيني، ودفن بمقبرة شمال الرياض.
وكتب هذه المعلومات القيمة ابن أخيه، محمد بن عبدالعزيز العوشن.

0 التعليقات:

إرسال تعليق