4:39 م

همسة لرجال العمل الخيري من د.حسن شريم


حدثني صاحبي وحبيبي د.حسن شريم حديثاً جميلاً ، فأردت إشراككم إياه، إذ يقول:

في عام 1413 كنت أعمل معلماً، وكان يعمل معنا معلّم لمادة الرياضيات سوري، كبير في سنه ووعيه وتخصصه، وكان وشيك التقاعد لتوطين المكان، فطلبت منه نصيحة فكتب لي -ولازالت ورقته بخطه موجودة -أعود إليها في الذاكرة والمذاكرة.

كتب لي: "ابني حسن. تجنب أثناء عملك ثلاث:
1 - الضجة
2- الإثارة
3- الانفعال
فالضجة تكثر الحسّاد، والإثارة تفقد الأصدقاء، والانفعال يفقدك نفسك أولا"



إلى آخر ما قال في نصيحته. وكان دوماً صاحب حديث مختصر، ثم رحل المعلم عنا وانتقل بأهله.

وفي عام 1432 هـ كنت في زيارة لجمعية الشقائق بجدة، وذهبت لصلاة المغرب في المسجد المجاور، فرمقت في جنب الصف الأول الأيمن رجلاً كبيراً جالساً يصلي، فكان في نفسي أنه هو، ولما انتهت الصلاة عدت لإكمال زيارة العمل التي كنت قد بدأتها، وانتهيت منها قبيل العشاء.

حرصت على الصلاة بالمسجد ذاته، وحين صليت العشاء، إذ به في مكانه وكأنه ينتظرني.
اقتربت منه، جئت من قبالة وجهه، فإذا هو هو، قد شاخ وشاب واحدودب ظهره وقد تركنا حينها نشيطاً.

فقلت: أستاذي أبو توفيق؟
قال: نعم، صوتك صوت "حسن"، ولكن "حسن" هناك في أبها.
قلت نعم أنا ابنك حسن، فقبلته بين عينيه، وتحادثنا.
فقال لي: معذرة يا ابني، سنجلس هنا لأني لا أستطيع استضافتك، فقد ذهبت أم توفيق، ومعي ابنتاي يتعاقبان على خدمتي ولا أريد أن أشق عليهما فلعلك أن تعذرني.

ثم سألني: أين أنت الآن؟ ما فعل الله بك؟، هل وهل وهل... أسئلة أزلفها إلي متعاقبة.
فقلت له: أعمل الآن في العمل الخيري، فقد تقاعدت من الإشراف العام في وزارة التعليم لأجل هذا، فتطاول في قامته، ورفع هامته، وقال في العمل الخيري الاجتماعي لخدمة الناس؟
فقلت: نعم

قال: " يا الله، جميل هذا الختام، جميل صناعة النهاية، دائما يا ولدي نعتني بالبداية، ونهمل النهايات، فانتبه لقد هُديت لنهاية جميلة، تمسّك بها، لا تغيّرها، لا تنظر لمكانتك فيها، انظر لمكانك من نفع الناس، ولو كان الإنسان يرسم حياته لتمنى أن يموت هنا في العمل الاجتماعي الذي تقومون به، ولو بقي مني شيء لطلبتك، ولكني أنصحك بإعطائه كلك".

شكرت أستاذي على وصيته، وودعته، وانصرفت، على أمل اللقاء به في مستقبل الأيام.

ثم إنني اتصلت بابنه الدكتور محمد بعد زمن -وقد كنت درّسته في المرحلة الثانوية- سائلا عنه، لأنني جئت للمسجد فلم أجده، فأخبرني بأن الشيخ قد انتقل الى جوار ربه فرحمه الله.

وشاهدي من هذه القصة هنا:
يا من يسّر الله لهم العمل في هذا القطاع، ونالوا شرف تقديم الخدمة للناس، هذا الخير يساق على أيديكم، تمسكوا به، وأعطوه كلكم، واجتهدوا في رسم نهاية راشدة خاتمة وأنتم في خدمة عيال الله.

حكيت لكم هذه القصة لأستفيد من أجر ارتقاء هممكم، مادامت نفسي المقصرة تتراوح، فربّ مبلّغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، والمعذرة على الإطالة.



نقله لكم /  محمد بن سعد العوشن

0 التعليقات:

إرسال تعليق