11:46 م

هل اتخذت قرارك؟


نبسّط أحياناً بعض الأمور ووجهات النظر، حتى يخيّل للسامع أن المسألة من الوضوح بالمحل الذي لا يخفى، وأنه ما كان للناس أن يختلفوا في مسألة كهذه، وأن الحق فيها أبلج واضح كالشمس في رابعة النهار.
       والحقيقة أن الأمور إنما يختلف فيه الناس و تتعسر، ويصعب الاختيار فيما بينها لأن لكل رأي في المسألة حجة معتبرة، ومبرر منطقي ومعقول، ولو كانت الأمور واضحة لما التبس فيها على الناس الأمر، ولما ترددوا، وشرقوا وغرّبوا.

وقد ناقشت أحدهم ذات مرّة، حول انشغال بعض وقته بعمل بدت لي أهميته قليلة، وأوضحت له حجم الوقت الذي سيوفره لو ترك هذا الأمر وانصرف إلى ماهو أولى وأنفع.
فحدثني عن قناعته التامة بأن هذا العمل يستهلك منه وقتاً واهتماماً، وأنه همّ مراراً بتركه والإعراض عنه، وأن نفسه أميل للترك من المواصلة، غير أنه أوضح لي عن حجم ونوع الحاجة التي يسدها عمله ذلك، وقلة من يسد هذا الباب، ومعرفة الناس له، بحيث صار مقصداً لهم فيه، مما جعله يقدّم رجلاً ويؤخر أخرى في اتخاذ القرار..

وأبان أن المسألة ليست في قدرته على الحسم، قذلك أيسر مايكون، لكنّه يتأمل في حال المستفيدين، وكيف ستتقطع بهم السبل حينذاك، ثم أطلعني على عدد غير قليل من الرسائل التي تصل إليه طالبة الرأي و المساندة، ورسائل أخرى تشكر له صنيعه وتثني عليه، وتخبره بأنه بات كالواحة الخضراء في صحراء التيه، يأتي لها العطاشا فيرتوون في حر الهجير.

ثم أردف يقول : ألا زلت مقتنعا بأن أغادر هذا العمل، وانصرف لبقية أعمالي؟
فسكتّ ولم أستطع جواباً!.

وأدركت - حينها - أن ثمّة فرق كبير بين الواقع والتنظير، وأن القرارات ينبغي أن تكون وفق ملامسة للواقع، وإدراك ملابساته، وأنه جدير بنا أن نتعامل مع الكثير من القرارات بشيء من المرونة والتأمل في جوانب الموضوع كلّه.
دمتم بخير.

دمتم بخير ،،

محمد بن سعد العوشن
@binoshan



نشر في صحيفة تواصل من هنا

هناك تعليق واحد:

  1. (ثمّة فرق كبير بين الواقع والتنظير)
    من اصدق ما قرات اليوم
    ولكن القلة من يعي ذلك
    ولا يعلم معنها الا من انكوى بها

    ردحذف