12:04 م

بين "الشعائر" و "المشاريع" . . . حديث لا تنقصه الصراحة


قابلت كثيرين، يتحدثون عن "طموح" عالٍ، وهدف سامٍ، يرتبط بأحد القضايا التي هي محل اتفاق، كالقرآن، أو السنة، أو الصلاة، أو مكة، أو التوحيد، أو ماشابهها من القضايا العظيمة.
وهؤلاء الكثيرين .. يبنون مشروعاً يحاولون ويسعون - من خلاله - وفقاً لطاقاتهم وقدراتهم وطموحاتهم ورؤيتهم أن يكون إسهاماً فعلياً في تحقيق هذا الطموح، وذلك الهدف، وأن يضعون بصمة مؤثرة في سبيل خدمة الهدف العظيم.
ثم يبدأ (الخلط) لدى هؤلاء الأفاضل بقصد حيناً، وبغير قصد أحياناً كثيرة، فيتحول مشروعهم المقترح، ومبادرتهم الوليدة، وفكرتهم - القابلة للأخذ والردّ - إلى مشروع "مقدّس" أو مشروع "واجب" نظراً لارتباطه بقضية مقدسة أو واجبة.
مع أن هناك فارقاً كبيراً جداً بين الهدف الذي يسعى المشروع لتحقيقه، وهم متفق عليه، وبين "المشروع" بوصفه مبادرة من فرد أو أفراد، يمكن قبولها كما هي، ويمكن ردّها بالكامل، ويمكن أن تساهم فعلاً في خدمة الهدف العظيم الذي ارتبطت به، ويمكن أن تسيء للهدف بحسن نية، وعدم إحسان للأسلوب، فكم مريد للخير لم يوفق إليه.

وحتى يكون كلامي أكثر وضوحاً سأطرح أنموذجاً ( تشبيهياً) لمشروع ما يخلط بين الأمرين.

مثلاً : (الصلاة)، بكل شرفها وقداستها ومكانتها، هي ركن من أركان الإسلام العظام، والسعي لإقامتها هدف سام، ولا أحد ينازع في أهمية إقامتها والعناية بها، وأولويتها.
لكن "المشروعنا المقترح لإقامة الصلاة"، هو جهد بشري قابل للصواب والخطأ.

فالأولى .. (شعيرة)  تُخطب، وكل من اختاره الله فإنه يقوم بعمل يخدمها، والناس يبحثون عنها، وشرف لهم الانتساب إليها.
والثانية .. (مشروع) يخِطب ، ويسعى لإقناع الناس بأنه المشروع الأفضل لتحقيق الأولى، وقد ينجح وقد يفشل في الإقناع وفي تحقيق الهدف.

إن مجرد انتساب مشروع ما للصلاة لا يعني أنه ممتاز، ولا أنه متقن، ولا أنه سيحقق النتائج، ولا أن المنتسبين له بشر من نوع آخر.
إن هذه المشروعات أو تلك لا زالت حبراً على ورق، لا زالت أفكاراً وخططاً لم تطبق على أرض الواقع، لا زالت أحلاماً متفاوتة في نفوس أصحابها، لا زال مبادرات لم تر النور.
لذا فالحاجة ماسّة لإقناع المتبرعين بالمشروع، والسعي لإسماعهم تفاصيل المشروع، والاستماع لهم، والأخذ بملاحظات الناس عليه، بغية التصويب والتحسين من أجل (الهدف) السامي، المتفق عليه.
ولهذا أقول لإخوتي أصحاب المشروعات : إننا نحتاج إلى "الواقعية" بدلاً من العيش في "الأحلام"
و(المشروع) الذي معنا ليس وحياً من السماء، وليس هناك أي ضمانات لنجاحه.
خلافاً لـ (الشعيرة) التي هي باب الجنة.

والحديث ذاته يقال عن مشروعات ربط الناس بالقرآن الكريم، ومشروعات تعظيم شعائر الله والبيت الحرام، ومشروعات العلم الشرعي، ومشروعات الاحتساب، ومشروعات الانتصار للمظلومين في أنحاء الأرض.

والحديث كذلك يصلح للتفريق بين الشعيرة والمنتسبين إليها، ولا يعني تعظيم الشعيرة أن ينسحب التعظيم للمنتسبين إليها بالاسم أو بالفعل، وقد اعتبر بعض العلماء (الأمر بمالعروف والنهي عن المنكر ) ركناً سادساً من أركان الإسلام، لكن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر مجتهد، وسلوكه قابل للصواب والخطأ وقد يحتاج أحياناً على من ينكر عليه صنيعه، لأنه خالف نصاً شرعياً من حيث أراد تحقيق نص آخر .

ويمكن الحديث عن الجهاد بوصفه ذروة سنام الإسلام، أما المنتسبين له فمنهم سابق بالخيرات، ومنهم مقتصد، ومنهم ظالم لنفسه، ولا يعني انتساب المرء له عصمة من الزلل، أو درجة ينال بموجبها شهادة للحماية من النقد والمحاسبة.

جعلنا الله وإياكم ممن يستخدمهم في طاعته، ويسخرهم لخدمة دينه، ونفع عباده، إنه سميع مجيب.

0 التعليقات:

إرسال تعليق