1:51 م

القبعة .. والتشبه بالكافرين

كنت في المسجد المجاور لمركز الملك عبدالعزيز التاريخي بالرياض، وقد أتيت للمسجد لابساً ثوبي المحلّي، وقبعة سوداء على رأسي في هذا اليوم الذي أخصص جزءاً منه للخلوة والقراءة في المكتبة العامة.
وبعد أن فرغت من صلاة الظهر، سلّم علي أحدهم، ونصحني بأن لا ألبس هذه القبعة، لأن لباس القبعات هو من التشبّه بالكفار، والنصوص جاءت بالنهي عن التشبّه.
شكرته بكل ودّ، وقلت له : جزاك الله خيرا.
مع أنني غير مقتنع بقوله، لكنني أردت عدم الجدال.
ويبدو أن الأخ - جزاه الله خيراً - لم يعتد قبولاً فورياً للنصيحة، أو أراد تثبيتها، فكرّرها عليّ، ولم أكن أريد نقاشه في المسألة، فلا المكان ولا الزمان يناسب لشيء من ذلك.
جلس الأخ بجواري بعد أن كان واقفاً ليثبت رأيه بالتحريم مع أنني لم أعترض على استدلاله رغم يقيني ببطلان فهمه للحكم .
وحين وجدته "عازماً" على الإطالة أفهمته أن النصّ الشرعيّ جاء بتحريم "المشابهة" ولم يأتِ على ذكر هذا اللباس تحديداً، والنص جاء بالنهي عن التشبه بالكافرين، وأبنت له أن الملابس والأشياء التي علة تحريمها "المشابهة" يزول تحريمها بزوال الصفة والعلّة التي لأجلها ورد التحريم، وهو"التشبه" ؛ فإذا انتشر لبس من لباس الفرنجة على المسلمين وذاع بينهم حتى زالت عنه صفة المشابهة، انتفت عنه هذه العلة، وانتفى التحريم تبعا لذلك، مالم يكن في اللباس علّة أخرى تحرّمه، كأن يكون من مادة محرمة كالحرير للرجال، أو كأن يحتوي على المحرمات كالصليب، أو يكون كاشفاً للعورة أو مجسماً لها، أو نحو ذلك.
لكن الرجل أخذ يسرد لي الحالات الاستثنائية التي "يُفتي" فيها بجوازالقبعة، كالمريض، أو الذي يعمل في الشمس الحارقة، وغيرها من الحالات التي اعتبرها هو من باب الضرورات!
فاجبته بسؤال:
هل تحريم القبعة ذاتها وارد في النص بشكل مسمى فلا مجال للاجتهاد فيه، أم هو اجتهاد منك في تطبيق النص الشرعي على هذه الواقعة؟
فحاول أن يحيد. فأعدت السؤال ولم يجب، فأجبته: 
لم يرد نص شرعي يخصّ هذا اللباس الحادث، وقصارى الأمر أنك اجتهدت (أنت أو سواك) في تنزيل النص على الواقعة وهو ما اختلف فيه معك كليا، فلا توضّح لي أهمية التزام النصوص، ولا تحدثني عن ضرورة ترك المشابهة، ولا تسرد لي حالات الاستثناء، فكما يقال ( ثبّت العرش ثم انقش)، أثبت لي استمرار وجود علّة المشابهة، فيكون التحريم صواباً .
ثم ضربت له أمثلة أخرى مما عمّ وانتشر حتى زالت فيه علة المشابهة كالبناطيل والجنز والبدل الرسمية ونحوها، وبينت له أن المحذور الشرعي هو "المشابهة" وأن الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً .
وأشرت للقلم الذي يحمله والساعة التي يرتديها والجوال الذي يقتنيه مبينا له أنها ليست محرمة لأنها ليست سمة مميزة لهم، وأبنت له أن من نماذج الألبسة التي لازال حكم التحريم ملاصقاً لها : عمامة السيخ وطاقية اليهود التي كانت ولازالت علامة فارقة عليهم.
لم يتقبل الأخ كلامي، وكرّر مقالته التي بدأها أول مرّة.
فشكرته، وأبنت له أنني أعتقد الجواز، فقام من جلسته تلك .. وهو يحدّث نفسه.

ما أحوجنا إلى التناصح فيما بيننا.
وإلى الاحتساب دوماً.
وإلى العلم الشرعي الذي به نستنير.

دمتم بخير ،،
محمد بن سعد العوشن
@binoshan

________________________
* تنويه . لم أحدثه عن الصلع الذي بدأ يغزو مقدمة الرأس، ولا عن بعض الشيبات التي أخذت في الانتشار، والتي جعلت هذه القبعة تسترهما حتى أبدو أكثر شباباً وأبعد عن المشيب.
وهل يصلح العطّار ما أفسد الدهر

هناك تعليقان (2):

  1. كان حوارك معه جميلا ومقنعا ، حقيقة استفدت منه جزيت خيرا
    مشكلة بعض الدعاة هداهم الله اصراره على صحة رأيه وخطأ الرأي الآخر مع قصور وضعف ادلته، انها معضلة الانتصار للنفس وليس للحق

    ردحذف
  2. لو انه حدثك عن القبعة من الناحية الجمالية أو الاجتماعيه لربما كان حواره مقبولا ولكنه تحدث من جانب شرعي ومع من؟ مع أبي سعد . انها مغامرة غير مضمونة الانتصار.

    ردحذف