3:29 م

الشعراء ومقاييس الجمال

بين فينة وأخرى اقرأ واستمع لقصائد الغزل المختلفة، التي لا تفتأ تتحدث عن أوصاف المحبوبة، وتقاسيم جسدها الفاتن، متناولة حالة العشق والتوهان التي أصيب بها الشاعر، فبات يتحدث عنها ويتحدث..
حتى أنه ليبدو للمستمع والقارئ أن ذلك الشاعر قد عثرعلى أجمل بنات حواء على الإطلاق، وأن الجمال كلّه قد اجتمع في محبوبته، فليس لها في الكون مثيل، ولم يأت الزمان بشبيه لها، وهذا الحديث – في الغالب – هو من قبيل المبالغات والتضخيم والتكبير الذي يمارسه الشاعر ليجعل القصيدة أكثر إثارة لأذهان المستمعين، وأقدر على جلب اهتمامهم واستماعهم وإعجابهم.
غير أن المشكلة التي أراها – من وجهة نظري – أن الشعراء بتلك الأوصاف والتفاصيل الجمالية التي يروونها في محبوباتهم، قد تسببوا – شعروا أم لم يشعروا – في رفع مقاييس الجمال لدى الناس، وزيادة متطلباتهم، وكلما استمع الواحد منهم لقصيدة هنا أو هناك، بدأ إن كان عازباً في رسم الصورة المتوقعة للزوجة، وإن كان متزوجاً فهو يأخذ في عقد المقارنات بين أوصاف تلك المعشوقة وزوجته! ولأن الشاعر حين يكتب قصيدته يكون في حالة من السكر بالمعشوق، ولأن من عادة الشعراء أن يبالغوا في الوصف والتشبيه؛ فإن الأوصاف المذكورة في قصائدهم لا تكون صحيحة غالباً.

ولهذا روي عن الملوح – والد قيس بن الملوح الشهير بـ مجنون ليلى – أنه لما رأى هيام ابنه الشديد، وقصائده المترعة بالعشق، في ليلى قال له: (ليت شِعرى؛ ما أراها ممن يوصفن بالجمال والحُسن، وقد بلغني أنها (فوهاء)، قصيرة، جاحظة العينين، شهلة، سمجة، فعد عن ذكرها، ولك في قومك من هو خير لك منها).

ولم يزد قيساً حين سمع هذا الوصف لمعشوقته إلا هياماً، حتى اعتبر تلك الأوصاف مما يميزها! بل ختم ذلك بقوله:

فدَقّ صِلابُ الصّخرِ رأسَك سَمداً * فإني إلى حين المماتِ خلِيلـــُها!

ومن المؤكد أن مقاييس الجمال مختلفة بين الناس، فما يراه البعض ميزة تفضيلية للمعشوقة، يعده آخرون عيباً يبغضها إليهم، ولولا اختلاف الناس في مشاربهم وتفضيلاتهم لبارت السلع – كما يقول المثل – وكما يقول الشاعر:

وللناس فيما يعشقون مذاهب

 فاختلاف هذه المذاقات هو رحمة للعالمين.

غير أنني أعتقد بأن إدمان الاستماع والقراءة لقصائد الغزل، والتمعن في معانيها، يساهم – بشكل أو بآخر – في اختلاف الذائقة الجمالية، والعيش في عالم من الخيالات والأحلام.

استمع لتلك القصائد، واطرب لها، وحين تنتقل إلى الواقع فكن واقعياً وتمتع بما أعطاك الله، واستشعر أن في زوجتك، أو مخطوبتك من مواصفات الجمال الخلقي والأخلاقي ما يجذبك، ويغنيك عن عقد المقارنات.

دام توفيقك

محمد بن سعد العوشن


تم النشر في صحيفة تواصل هـــنا

0 التعليقات:

إرسال تعليق