8:37 م

تأملات في (حظر التجوّل)

في ثنايا البلاء، تكمن النعمة، شعرنا أم لم نشعر.
ففي الوقت الذي نمتنع فيه عن الخروج من منازلنا لأول مرة في تاريخ بلادنا، ويفرض على الناس حظر التجوّل طيلة اثنتي عشرة ساعة يومياً ، ولمدة ثلاثة أسابيع متتالية..
هذا الحدث الجديد علينا جميعاً، والذي يأتي كإجراء وقائي تفرضه المرحلة، وتوجبه المصلحة العامة بهدف تقليل فرص انتشار فيروس كورونا، الذي عصف بمئات الألوف في أنحاء العالم، وهلك بسببه آلف البشر في فترة وجيزة.
هذا الحدث – وأعني به حظر التجوّل- لفت نظري إلى النعمة العظيمة التي نرفل فيها، ألا وهي نعمة (الأمن)، إذ أننا - طيلة تلك العقود العشرة المنصرمة -، ونحن نعيش الأمن واقعاً، ونراه يعمّ أرجاء البلاد، لذا لا عجب أن يكون مصطلح (حظر التجوّل) مصطلحاً غريباً علينا تماماً، فرغم أننا كنّا نسمعه كثيراً في وسائل الإعلام حين تنقل لنا نشرات الأخبار الأوضاع في شتى البلدان والأمصار، إلا أنه بعيد كل البعد عن مجتمعنا المبارك.

ومن فضل الله ونعمته أن قرار فرض (حظر التجول) لم يأت بهدف معالجة اختلال أمني، ولم يأت جراء فقدان للسيطرة على الأمن، وإنما جاء - أسوة بكل الدول الناضجة - كإجراء وقائي متقدم يستهدف مصلحة المواطن، وحمايته من الضرر الذي يمكن أن يقع عليه من جراء التنقل والحركة والمخالطة التي تتسبب في انتقال الوباء.

ومن جهة أخرى، أشعرني هذا المكث الإلزامي في البيت، بنعمة (الحرية) التي يتمتع بها الواحد منا، حرية اتخاذ القرار، وحرية الحركة، وحرية السفر، وحرية التسوق، وحرية الخروج للمنتزهات، مع ألوان كثيرة من الحرية التي لم نعد نشعر بها ولم ندرك حجمها وأهميتها، حتى جاء الحجر المنزلي، وحظر التجول ليعيدا لنا استشعار النعمة وحمد الله عليها.

كما أن هذا المكث الإلزامي جعل الجميع يعود إلى أحضان أسرته، فبعد أن فرقتهم التقنية، وأشغلتهم الشواغل، وانطلق كل فرد من أفراد العائلة إلى مدرسته أو جامعته أو وظيفته أو تجارته أو أصحابه، ها هم اليوم يعودون القهقرى إلى الحصن الحصين، إلى الأسرة الصغيرة التي هم جزء منها، يعيدون المياه فيها إلى مجاريها، ويصلحون من جسور المحبّة ما انقطع، ويسقون من أشجار الصلة ما طاله الظمأ، ويتأملون في حياتهم، ويتدارسون أوضاعهم، فقد جمّعتهم الكورونا بعد افتراق، وألفت فيما بينهم، وأزالت عوائق التواصل التي فرضتها ظروف العصر وأوضاعه.

ما أحوجنا دوماً إلى التساؤل بعمق: ماذا علمتنا الأحداث؟ وأي شيء إيجابي جلبه لنا هذا الحظر الإلزامي، وماهي التأملات التي يفترض بنا أن ننظر فيها، وكيف يمكننا توظيف هذا الوقت الطويل، وهذا الفراغ الكبير بشكل يجعلنا - بعد زوال الغمة - نتذاكر سوياً تأثيرها الإيجابي علينا، وحجم النفع الذي حققته لنا.

وإلى أن تعود الحياة إلى طبيعتها، وينكشف البلاء، ويزول الداء ..دمتم بخير ،،،

محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري
@bin_oshan