5:24 م

الإبداع الخيري الاستثماري ( TOMS) مثالا!

جلست مع الزميل محمد المطيري في 29 ذي الحجة 1442هـ  وحدّثني عن بعض أوجه الابتكار والإبداع في العمل الخيري، المندمج مع الأعمال التجارية، وكيف يمكن لأعمال كهذه أن تحدث أثراً عظيماً مستداماً، يحقق أهداف العمل الخيري والعمل التجاري في آن واحد، مستشهداً بتجربة علامة تومز(TOMS) التجارية، وروى لي فكرتها وكيف انطلقت.

راق لي جداً هذا الحديث الرائع، وهذه التجربة المميزة، فوجدتني أقلب النظر فيها، ثم بدأت في البحث والتفتيش بعد اللقاء لعلي أن أجد مزيداً من المعلومات..

ولهذا فسيكون الحديث هنا عن بليك ميكوسكي (Blake Mycoskie)، مؤسس العلامة التجارية - تومز(TOMS) والتي هي اليوم أحد الماركات الشهيرة في مجال الأحذية والنظارات والقهوة ...

وقد ابتكر (بليك) نموذج عمل تجاري مميز، والذي أصبح فيما بعد دوراً رئيسياً تقوم به TOMS ، وهذا النموذج يقوم على استخدام الأعمال التجارية بهدف تحسين الحياة، من أجل تعزيز مسؤولية الشركات والدفع نحو النزعة الاستهلاكية الواعية.

جاءت فكرة دمج (العمل الربحي) مع (العطاء) في جوهرها بعد تلك الرحلة التي قام بها (بليك) إلى الأرجنتين في عام 2006 ، حيث رأى (بليك) أثناء زيارته الصعوبات التي يواجهها الأطفال الذين ليس لديهم أحذية، من الافتقار للحماية الأساسية لأجسادهم، بسبب ماتتعرض له أقدامهم من جراء السير حافياً على الأرض بكل ا يحمله ذلك من مخاطر وبما فيها المرور على الأماكن غير النظيفة، ووقوع الإصابات والجروح وتداعيات ذلك على صحتهم، بالإضافة إلى مشكلة عدم قدرة الفقراء على الذهاب إلى المدرسة بسبب عدم توفر الأحذية باعتبارها شرطاً لدخول المدارس.

وفي الوقت نفسه، وجد بليك نوعاً من الأحذية التي يلبسها الأرجنتينيون تدعى (البرقاتا)، وقد لبسها وأعجب بها، وحدّته نفسه بأن يصنع حذاء مشابها للبرقاتا، ويبيعه في أمريكا، ويحقق من خلال ذلك أرباحاً، وشيئاً آخر مهما !!

من هنا عاد بليك إلى أمريكا، وبدأ في خوض التجربة، حيث صنع 250 زوجاً من الأحذية في مصنعه الذي أنشأه في كاليفورنيا، وأعلن عن فكرته، فبيعت الكمية في الحال، بل كانت هناك طلبات كثيرة لم يستطع إتمامها على الفور لنفاد الكمية، حينها أدرك بليك أن الفكرة ناجحة، ووسع نطاق مصنعه، وانطلق خط الإنتاج، حتى أصبحت أحذية تومس معروفة ومطلوبة في جميع أنحاء العالم، وبات شعار تومز الشهير: (مقابل كل زوج من الأحذية المباعة من علامة تومز، فإن الشركة تقوم تلقائياً بتوفير زوج جديد من الأحذية لشخص محتاج).

إنها ضربة معلّم فعلاً ، فبالإضافة إلى تميز الحذاء بما يدفع الناس لشرائه، فقد وجد المشترون قيمة إضافية (إنسانية) في عملية الشراء هذه، وهي أنهم يوفّرون - بدون جهد - حذاء مشابهاً للمحتاج في مكانه.

وقد حققت الفكرة نجاحاً منقطع النظير، وتحقق لبليك ما كان يؤمل منه دون أن يطلق حملة لجمع التبرعات لأولئك الأطفال الحفاة.

وبعد خمس سنوات من نجاح تجربته تلك - والنجاح ولاّد بطبيعته - أدركت تومز أن بإمكان هذا النشاط أن يخدم إحتياجات أساسية أخرى، فتم توسيع وتطوير نموذج TOMS One for One ، وانطلق خط إنتاج نظارات تومز بالفكرة ذاتها، مقابل كل نظارة يتم شراؤها، يمنح تومز شخصاً محتاجاً القدرة على رؤية أفضل. نظارة مقابل نظارة، ومشروع الملابس، كما انطلق المشروع الآخر لتومز والخاص بالقهوة، حيث يتم تأمين الماء الصالح للشرب للفقراء مع كل عملية شراء للقهوة من TOMS ..

إنه الإبداع يا سادة، ولذا  لا عجب أن ينال صاحب هذه المبادرة الإبداعية عددًا لا يحصى من الجوائز، والتي من بينها :

- جائزة وزير الخارجية للتميز المؤسسي (ACE)  عام 2009.

- جائزة الجيل القادم من كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد عام 2015، وهي جائزة تُمنح  للأفراد الذين تقل أعمارهم عن 40 عامًا والذين تلهم قيادتهم والتزامهم بالصحة كحق من حقوق الإنسان الشباب لجعل "الصحة للجميع" أولوية عالمية.

- جائزة Cannes Lion Heart ، والتي تُكرم شخصًا أو شركة كان لها تأثير إيجابي من خلال الاستخدام المبتكر لقوة العلامة التجارية عام 2016. 

كما قام بليك في عام 2011 بتأليف كتاب أسماه ( Start Something That Matters - إبدأ شيئاً ذا أهمية)، والذي أصبح من أكثر الكتب مبيعًا في النيويورك تايمز، حيث يقدم الكتاب بالتفصيل قصة المؤلف الشخصية، ويقوم من خلال الكتاب بدعوة الآخرين إلى العمل لدمج العطاء في الأعمال التجارية على نطاق أوسع، مشيراً إلى أن بإمكان المرء أن يجني المال ويسعد الأطفال الفقراء في آن واحد.

ليس ذلك فحسب، بل إن شراء أي نسخة من هذا الكتاب يعني أن يتم إعطاء نسخة أخرى من الكتاب ذاته إلى طفل فقير.

كما أسس بليك في عام 2015 صندوق (ريادة الأعمال الاجتماعية) ، الذي يستثمر في الشركات المبتكرة والوعي اجتماعيًا الموجودة لإحداث التغيير، حيث استثمر الصندوق في 15 شركة هادفة للربح في صناعات تتراوح من التكنولوجيا والتعليم إلى المساواة الغذائية حتى الآن، وهو متحمس لإلهام الشباب للمساعدة في صناعة غد أفضل ، وتشجيعهم على تضمين العطاء في كل ما يفعلونه.

محمد بن سعد العوشن

30 / 12 / 1442 هـ 


________

مصادر للاستزادة: 

- موقع شركة تومز على الإنترنت  (www.toms.com) 

- مختصر مسموع لكتاب (إبدأ شيئاً ذا أهمية)  https://www.youtube.com/watch?v=km45XaOhPnA

- بعض المواقع التي تعرّف بالتجربة أو صاحبها.




0 التعليقات:

إرسال تعليق