6:01 م

د.صلاح الراشد .. والزيغ (1)

29 رمضان 1439هـ
لا تزال تتكشّف لي في كل مرة، ومع كل برنامج جديد للدكتور صلاح الراشد، انحرافات جديدة يبوح بها، ويتحدث عنها، وكنت -سابقاً -  ألتمس له العذر في بعضها، وأقول : لعلها زلّة لسان غير مقصودة، أو عبارة لم يدققها جيداً في ذروة حماسته لقضية ما، غير أن تواتر تلك العبارات وتنوعها، أبان لي - بما لا يدع مجالاً للشك- عن أمور :
- أن حجم تلك الانحرافات كبير، بل وآخذ في التزايد.
- أنها تأتي من قناعة ثابتة لديه، ولذا يكررها في مواضع متعددة.
- أن الراشد، صدّق نفسه بأنه بات في كل الفنون "معلما" ينهل الناس من كلامه دون تدقيق، ويستمعون لما يتحدث به على وجه التسليم!
ومن العجائب  - وعجائبه كثيرة - أنه ينتقد في الناس وفي العلماء والدعاة أموراً كثيرة، مع أنه غارق فيها حتى الثمالة،  وواقع فيها، ويمارسها. 
فتراه ينتقد فيهم تدخلهم فيما لا يعنيهم، ويشدد على ذلك، ثم هو يمارس ذلك بكل وضوح حتى جعل من نفسه مفتياً في كل جوانب الحياة!
وينتقد عليهم سعيهم لفرض رؤيتهم وقناعتهم، مع أنه - بالمقابل- يسعى لفرض رؤيته بقوة، ويسعى لأطر الناس عليها، ويهمش  كل الآراء الأخرى بل ويحتقرها ويحتقر أهلها!

فهو قد جعل من نفسه المتضلع بالشريعة، المفسّر للقرآن، اللغوي المتمكن، الطبيب النفسي، الخبير بالطب البشري، العالم بالسياسة، المتحدث عن التعليم، المتخصص في علوم الطاقة... أما باقي الناس فهم لا يفهمون، بل هم إما مُضِلّون أو مضلل بهم، إلا النخبة القليلة من تلاميذه ومريديه الذين قدّسوا كل كلامه، واعتبروه نصاً لا يقبل الردّ.

ملحوظات :
1- هذه التدوينة وما يتلوها تتحدث عن جملة من الانحرافات الكبيرة والمؤثرة في أطروحاته، وذلك من خلال كلامه لا من خلال التقوّل عليه، ولست أهدف بها للنيل منه شخصياً، ولا السعي لتشويه صورته، فليس ذلك من منهجي، وليس بيني وبين الدكتور صلة أصلاً، وإنما هدفي (الوحيد) هو التحذير والتبيين لتلك الانحرافات، خصوصاً حين يستمع إليها من ليس لديه خلفية شرعية .
وإذا لم تكن متابعاً لأطروحات د.صلاح أصلاً، فليس مهماً أن تقرأ هذه التدوينة، ولا تشغل وقتك أو اهتمامك بها.

2- لن أنتظر حتى أجمع كل ضلالات الراشد، لأنها كثيرة، لكنني سوف أبني - معكم - هذه المادة بشكل تراكمي وتدريجي، وسوف أضع في هذه المقالة عينات أولى من تلك الانحرافات التي يتحدث بها الراشد، وأعزو كل قول إلى مصدره، وألتزم بذكر نصّ كلامه كما هو واضعاً إياه بين قوسين ( ).

3- ترتيب الانحرافات هنا يأتي وفقاً للمادة المسموعة التي أفنّد انحرافاتها، وليس وفق تسلسل علمي أو منطقي محدد.

4- أدرك أنني لست بحاجة للكثير من الردود على كلام د.صلاح، بل مجرد إظهار هذا الكلام للناس كافٍ في التوعية بحجم الضلالات التي يعتنقها ويطرحها - هداه الله كل خير -.

الملاحظة الأولى  | الاستشهاد بالكتب السماوية المحرفة
يلوم صلاح الراشد الذين ينتقدونه على استشهاده بالإنجيل، في تغريداته بتويتر، محتجاً عليهم بأن القرآن ذاته تضمن ذكراً لبعض ماورد في الإنجيل!
ويقول ( فأنت لما تجي تقول "من ثمراتهم سوف تعرفهم" وتستشهد بالإنجيل، أنت في الحقيقة تسوي نفس اللي سواه القرآن الكريم)
تعليق :
وهذا أمر عجيب، فما ورد في القرآن من نصوص من الكتب السابقة فأنها نصوص غير محرّفة قطعاً لأن الله تعالى أخبرنا عنها، خلافاً للنصوص الأخرى المتداولة بين الناس، إذ نصّ القرآن على وقوع تحريف واسع في تلك الكتب المقدسة، ولهذا فالرجوع اليوم للتوراة والإنجيل للاستشهاد بها باعتبارها من "كلام الله" مخالفة صريحة لآيات القرآن.
وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ ، فَقَرَأَهُ على النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَغَضِبَ ، وَقَالَ :
"أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً ، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا ، مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتْبَعَنِي‏" رواه أحمد  وحسنه الألباني .
فأين الراشد من هذا النص الصريح؟
و كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : " كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَىْءٍ وَكِتَابُكُمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْدَثُ ، تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ ، وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَغَيَّرُوهُ ، وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمُ الْكِتَابَ ، وَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً ، أَلاَ يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ ، لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلاً يَسْأَلُكُمْ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ‏ " رواه البخاري

الملاحظة الثانية | الزعم بأن دين الإسلام بات اليوم محرفاً بالكلية!
يتحدث الراشد عن هؤلاء الذين ينكرون عليه صنيعه، واستشهاده بالإنجيل فيقول - كما في الحلقة الثانية من الموسم الخامس من برنامج (خذها قاعدة) على التيلجرام - فيقول :
( بس بالنسبة لهم ترى عندهم دين مختلف، تبرمجوا عليه بطريقة مختلفة. تقريباً تقريباً - وبدون مبالغة - 90% مما تراه يمارسه المسلمون اليوم، هو ماله علاقة في الإسلام، تغيّر تماماً ، تحرّف بالكامل. 
إذا يزعمون أن بقية الأديان حرفوا دينهم، فأكثر أمة حرّفت الدين هم المسلمين، وأصبح الدين اليوم لا يمس في أصل الدين.
بل جعلوا النبي الكريم بأنه سابي النساء، ومغتصب الأطفال، ويتزوج البنات الصغار، ويغزو الناس وهم في أمنهم، ويأمر الناس بقتال الناس حتى يشهدوا بدينه. هذا كله تشويه!.
الإسلام كلمة صدرت من "السلام"، اليوم تقريبا مافيه رجل دين - إلا مارحم ربك وقليل ماهم - يدعو إلى السلام باسم الإسلام، مافيه. كلها إلى حروب وإلى قتال وإلى نصرة وإلى انتصار. طول الوقت يدعون "اللهم انصرنا، اللهم انصرنا" كأنهم قاعدين يحاربون أسود مو بشر. هذولا ماكأنهم بشر، إخوانهم في البشرية، يدعون طول الوقت أن الله ينصرهم عليهم، ويمزقهم، ويدمرهم ، وكذا)
انتهى كلامه.

تعليق :
لاحظ أنه يعتبر 90 % من ديننا اليوم محرّف لأنه لا يوافق رغباته وقناعاته!
وأن الدين اليوم ليس هو الدين الذي أنزل على محمد!
وانتبه لحديثه عن زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة، وكيف اعتبر أن الحديث عن ذلك هو حديث عن "اغتصاب الأطفال"! وكيف ينتقد "سبي النساء الكافرات" مع أن فعله صلى الله عليه وسلم مع "صفية" دليل واضح على المشروعية.

وانظر كيف اعتبر قتال الناس حتى يشهدوا بالإسلام تشويهاً !مع أن الله تعالى يقول في محكم التنزيل "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ" ويقول "وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً " ويقول "فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا"، بل وجاء النص الصريح في حديث ابن عمر رضي الله عنهما  عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى" متفق عليه.
وثبت في صحيح مسلم من حديث بريدة  قوله صلى الله عليه وسلم "وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم "

وانظر لتعجبه من استمرار الدعاء بالانتصار على الكافرين، معتبراً الكفار (إخوانهم في البشرية)، مع أن الله تعالى  أوجب البراءة من الكافرين فقال سبحانه "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " وقال " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ" وقال "قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ"، والنصوص الواردة في الكتاب والسنة أكثر من أن تحصى في البراءة من المشركين وأهل الكتاب.

أحد مشكلات الراشد "الكثيرة" أنه اعتقد اعتقاداته الخاصة، التي تروق له، والتي يريد، وأخذها من ديانات مختلفة، وثقافات مختلفة، شرقية وغربية، وكان كثيراً منها بعيداً عن أنوار الوحي والرسالة، ثم أتى ليحاول تركيب الإسلام عليها، وليّ أعناق النصوص لتوافق معتقداته الشخصية، فلم يتمكن من ذلك بسهولة، فبدأ يحرّف الكلم عن مواضعه، وأعمل جهده في ذم أهل العلم جميعاً والنيل منهم واستنقاصهم لأنه وجدهم سداً منيعاً أمام تلك الأفكار الضالة التي يعتنقها، وأمام محاولات التلبيس التي يسعى لها.

كانت هذه أولى الوقفات في الحديث عن انحرافات د.صلاح، وللحديث صلة بإذن الله، فأمامنا مشروع طويل في التحذير من بعض أطروحات هذا الرجل.
وأسأل الله الإعانة على ذلك، وأن يخلص النوايا.
وأسأله سبحانه  أن يصلح حاله، ويعيده إلى صوابه، وأن يهديه للرشاد، لينتفع به العباد.

_________________________
تنويه :
سبق أن كتبت مقالاً في 10 / 2016 م  بعنوان ( د.صلاح الراشد.. بين الأعداء والمريدين)
ومقالاً آخر في 10 / 2017 م  بعنوان (رسالة خاصة لمتابعي د.صلاح الراشد)

0 التعليقات:

إرسال تعليق