لغة القالب

بعيداً عن المكابرة : الاندماج حين يكون حلاً!

 في ظل قلة الموارد المالية للمنظمات غير الربحية، ومع وجود تهديد حقيقي بإغلاق عدد منها لهذا السبب، ومع قلّة الموارد البشرية المهيئة لقيادة بعض تلك المنظمات نحو برّ الأمان، فإن من الحلول التي أراها مهمة، وجديرة بالعناية: خيار (الاندماج).
وذلك أن تتفق منظمتان غير هادفتان للربح فيما بينهما على أن يكونا (كياناً واحداً) بدلاً من كيانين اثنين.
 وما يترتب على هذا من انخفاض كبير في مصاريف التشغيل، إذ يكون المقرّ واحداً، وفواتير الخدمات واحدة، ويتم بالتالي تقليص عدد الموظفين بشكل واضح، وإعادة هيكلة المنظمة لتستوعب مهام الجهتين بأقل التكاليف، ومع ذلك الاندماج يتم التخلي عن جملة من الأنشطة الأقل أهمية وأثراً، فيكون قرار الاندماج مدعاة لإعادة النظر في الوجهة والاستراتيجيات..

وفي ظني أن ذلك الاندماج من شأنه أن يجعل المنظمة الجديدة أقوى من سابقتيها، لأنها ستحتفظ - فقط - بالموظفين الأفضل أداء، وستتخلص من العبء الذي كانت تتحمله إحداهما من موظفين وعقود ونحوهما، وهو ما يجعل قرار الاندماج جريئاً، ومؤلما في الوقت ذاته، لكنه سيكون مثل مبضع الجراح، يؤلم بشكل مؤقت، ليزيل الألم بشكل دائم، ويوقف النزيف المستمر.

وسيكون هناك – حينها - مبرر واضح لإعادة التموضع، وضبط بوصلة التوجه الاستراتيجي للجهة الجديدة بعد الاندماج، كما أن مجلس الإدارة الموحّد سيكون أكثر جودة من سابقيه لذات السبب، وهو اصطفاء الأفضل.

وإنني أدرك - يقيناً - أن هذه الخطوة لن تكون مقبولة لدى عدد من طبقات الهيكل الوظيفي لكلا المنظمتين، ولا لبعض المستفيدين من خدماتهما، ذلك أن مدير أحد الجهتين سيصبح مديراً للجهة الجديدة دون صاحبه، بل قد يأتي مدير آخر ليكون بديلاً عنهما، كما أن كل موظف مقصّر، سيدرك أن هذا الاندماج سيؤدي إلى تسريحه، وكل مستفيد من الانفصال شخصياً سيحرص على التشكيك في جدوى هذا الحل، والتقليل من شأنه، فتراه حريصاً على إطالة عمر المنظمة في وضع الإنعاش إلى آخر لحظة، ما دام يحقق الاستفادة الشخصية النظامية منها بالراتب الشهري، أو المكانة أو العقود معها أو الاستفادة من خدماتها، أو التأجير عليها، أو غير ذلك من أنواع الاستفادة.

غير أن تجارب العالم كله، تثبت أن الاندماج هو أحد الحلول الناجحة التي يمكن اللجوء إليها، بل هو أسلوب يلجأ إليه الأقوياء - كثيراً - طمعاً في زيادة قوتهم وحصتهم من السوق، وتعظيم مواردهم، وليس لقلة تلك الموارد، فكيف ينكص عنه من لم يكونوا كذلك؟

وإنما يكون حل الاندماج – من وجهة نظري – عملياً حين يكون مبرر وجود الجهة ابتداء لا زال قوياً ومهماً، أما إذا كان المبرر ضعيفاً أو غير موجود أصلاً، فإن الشجاعة كل الشجاعة تكمن في رفع راية الاستسلام، والإعلان عن الإغلاق، والاعتراف بكل وضوح وصراحة أن الهدف الذي قام الكيان لأجله لم يعد موجوداً أو تم التأكد من عدم القدرة على تحقيقه لأي سبب كان، أو أنه تحقق وانتهى فزال سبب الوجود.

لقد ابتلينا بالعلاقة النفسية التي تقوم بين مطلقي المشروعات، وبين المشروعات ذاتها! فتراهم يعدون بقاء المشروع بقاء لهم، وزواله نقصاً بحقهم!، مع أنهم لو تأملوا الأمر جيداً لوجدوا أن دورهم، ومبادرتهم، وجهدهم مذكور ومشكور، غير أن الديمومة ليست سمة للكيانات، وإنما هو سمة المبادئ والقيم، أما الكيانات فإن التغير والتحول والتبدّل هو سمتها الرئيسة، وسر نجاحها، إذ الثبات على الوسائل والتمسك بها ليس محمدة يفتخر بها، بل هي دليل على جمود التفكير، وضعف المرونة في الكثير من الأحايين.

إننا اليوم أحوج ما نكون إلى إعادة المراجعة لكافة منظماتنا غير الربحية للتأكد من مشروعية البقاء، وإمكانية الاستمرار، وفاعلية أدوات العمل، وإعادة الهندرة بشكل جريء يكفل إعادة ضخ الدماء في عروقها التي طال كثيراً منها اليباس، بما يضمن تحقق الأهداف المرجوة منها، وتحقيقها لخدمة المجتمع، بعيداً عن كل أعباء التاريخ، والمسيرة، والسمعة السابقة التي تتحول أحياناً إلى قيود وأثقال تمنع من الحركة، وتعيق الانطلاق.

وكلّي أمل ورجاء أن تجد هذه الكلمات طريقها إلى قلوب تلك القيادات المميزة، التي كان لها فضل كبير، وجهد كثير، وعمل شجاع ودؤوب لا يعرف الكلل ولا الملل لإطلاق العديد من المنظمات الفاعلة التي قامت بخدمة المجتمع والنهوض به، وسدّ احتياجاته، والعمل لأجله حيناً من الدهر، لكي تمارس دورها القيادي مرة أخرى، فتقوم بإعادة المراجعة والبناء، لضمان استمرار المسيرة الفاعلة والتأثير الإيجابي.

دمتم بخير ،
محمد بن سعد العوشن
إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري
@bin_oshan

2:38 م
عدد المواضيع