لغة القالب

التحكّم والقيادة من خلال ( الدقائق القائدة )

 في حديث شخصي مع والدي -حفظه الله- أخبرني عن الكيفية التي كان يضمن بها أن يقود الاجتماعات التي يشارك فيها، فيوظفها لتحقيق رؤيته في العمل، ويدفع بها المشاركين لموافقته في الرأي وقبوله، أياً كان أولئك الشركاء في الاجتماع، وطبيعة الاجتماع وموضوعه، وكانت وجهات نظره – في كل مرة- تلقى القبول والتأييد.


وهذه الكيفية رغم وضوحها وبساطتها، إلا أنها ناجحة وفعالة دون ريب، وهي تتمثل في (التحضير المسبق لموضوع الاجتماع)، فمعرفة الموضوعات المدرجة على جدول الأعمال، واستحضار عناوين النقاط التي ستشارك بها، وتتبع أي تعليمات أو تعاميم أو قرارات في هذا السياق تجعلك أقوى الحاضرين إحاطة بالموضوع، وأكثرهم خبرة (طازجة) به، ومن كانت لديه المعلومة فإنه يملك زمام الحديث، ويسوق الناس نحو رأيه، متسلحاً بالعلم الذي لا يعلمونه، والإعداد المسبق الذي لم يصنعوه، ولهذا يصعب على أحدهم أن يعارض وجهة نظرك المدججة بالأدلة، وهو لا يملك دليلاً.

إن من مشكلاتنا أننا – في الأعم الأغلب- نحضر للاجتماعات وأذهاننا خالية من أي شيء، ولا نعرف الموضوعات التي سيتم تناولها في جدول الأعمال، ولذا نشارك بما يعنّ لنا، وبالنزر اليسير من المعلومات التي نستقيها من طرف الذهن، وحينذاك: لا يكون استدعاء المعلومات سريعا ولا دقيقاً.

وهنا أسجل تجربة شخصية في اجتماع يتناول تأسيس مشروع ما، وكنت كعادتي أنوي الذهاب والاستماع إلى وجهات النظر التي يتم طرحها والمشاركة بالرأي بما يتيسر، غير أنني قررت – يومذاك – أن أقوم بتكشيف يسير على موضوعات الاجتماع، فعثرت على تجربة مشابهة في دولة مجاورة، وسجلت النقاط الرئيسة في تجربتهم، وكيف حققت النجاح، وكتبت بعض ما وجدت على صفحات دفتري.

ثم مضيت بعدها نحو الاجتماع، وحين حضرت كنت أكثر ثقة في ما لديّ، فبدأ الزملاء في طرح خواطرهم حول الموضوع، وقد وجدت الجميع يسير في السياق الذي طرحه المتحدث الأول منهم، فأخذوا يخوضون في نفس ما بدأه، موافقة أو اعتراضاً، وحين جاء دوري، وبدأت مشاركتي، تنهدت تنهيدة طويلة، ثم قلت لهم: شكراً لحديثكم الجميل عن هذه الجزئية اليسيرة التي أشبعتموها حديثاً، لكنها لا تمثل الموضوع كله، فالحقيقة أن الموضوع مهم ومتشعب، ولا يحسن بنا أن نتناوله بهذا الشكل، وإنما الواجب علينا أن ننظر في التجارب المشابهة، ولا نعيد اختراع العجلة، ثم بدأت استطرد في ذلك ذاكراً التبويبات الرئيسة التي اطلعت عليها، ومدى الحاجة لها، وأنها سوف تحقق لنا نقلة نوعية لشموليتها وتنوعها، ثم طلبت من الحضور أن يقوموا بعد الاجتماع بمراجعة تلك التجربة التي مضى عليها سنوات عديدة.

ولا أذيع سراً حين أقول بأن الجميع قد أنصتوا لحديثي دون مقاطعة، وشعروا أن هناك معلومات مهمة لم يسبق لهم الاطلاع عليها، وسلّموا بكثير مما قلته، واستطعت بسبب تلك الدقائق المعدودة من التحضير أن أقود الاجتماع نحو تحقيق فاعلية أكبر، ليس لأنني متخصص أو عالم بالأمر، بل لقوة المعلومة، فكل من لم يحضّر مسبقاً للموضوع محلّ النقاش فإنه لا يملك إلا التسليم بالمعلومة الموثّقة.

ما أحوجنا إلى نصف ساعة على الأكثر – قبل الاجتماع بوقت -، نتأمل فيها جدول الأعمال، ونسجل -كتابةً- النقاط الأولى بالحديث، ونبحث -سريعاً- عن أي معلومات ذات صلة، فبإمكان هذه الدقائق التحضيرية اليسيرة أن تساهم في تمكينك من تسجيل الأهداف التي تؤمل أن تحققها في الاجتماع، وتحقق قيمة شمضافة للمجتمعين، لأنها الدقائق التي تصنع الفرق فعلاً.

دمتم بخير،،،

محمد بن سعد بن عوشن

إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري

@bin_oshan


تم النشر في صحيفة تواصل من هـــنـا 
1:53 م
عدد المواضيع