لغة القالب

سقيا الماء .. حين يكون ترفاً



ثمة ظاهرة منتشرة على نطاق واسع، وخصوصاً في المساجد والجوامع، ألا وهي وضع عشرات، بل مئات الكراتين من المياه الصحية في أطراف المسجد وإتاحتها للمصلين، ووضع الثلاجات الخاصة بها كذلك.

 والحقيقة أن توفير المياه بهذه الشكل الملفت – من وجهة نظري - غير ذا أهمية، لأننا بحمد الله في بلد تتوفر فيه المياه الصالحة للشرب بكثرة، في البيوت والمكاتب، فضلاً عن توفرها في المتاجر بسعر زهيد.

فإشغال المساجد بها، وتشويهها بتلك الكراتين الكثيرة، فضلاً عن قيام الكثير من الأطفال بالعبث بتلك المياه وأخذها دونما حاجة، وأكثر من ذلك: حجم التلويث للبيئة من جراء رمي كل تلك العبوات البلاستيكية بعد الفراغ منها، فالكميات مهولة، والتلويث الناتج عنها على المدى الطويل كبير جداً.

وفي الوقت الذي يفترض أن يكون العمل الخيري معززاً للبيئة داعما لجهود المحافظة عليها، تسير هذه الممارسة المستمرة وذات النطاق الآخذ في التوسع في خط معاكس تماماً.

بل وتنطلق التطبيقات على الهواتف الذكية لتيسير توفير الكراتين بالجملة للمساجد ولغيرها.

وتأتي ثالثة الأثافي من خلال بعض الجمعيات المتخصصة في المياه والسقيا لتكمل المشهد، فتتخصص في التسويق لتلك الممارسات، والإعلان عنها، والترويج لها، ونشرها على نطاق أكبر، بل وتوسع مجال التوزيع ليكون في مقرات الجهات الحكومية والخاصة، وكأننا في بلد يعاني أهله من شح المياه.

إن سقيا الماء المشار إليها في الأحاديث النبوية تكون للعطاشى الذين أخذ بهم العطش مأخذه، وبات حصولهم على الماء الصالح للشرب عسيراً، ففي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم : ( أيُّما مسلمٍ سقى مسلمًا على ظمأ، سقاه الله- تعالى- يوم القيامة من الرحيق المختوم)،


ولذلك فإنه في المجتمعات التي تتوفر فيها المياه بهذه الوفرة، وبهذا السعر المنخفض، فإن صرف الأموال والجهود في هذه الباب هو لون من اختلال الموازين، ومخالف للأولويات الشرعية في تلبية الاحتياجات، فثمّة احتياجات أولى بكثير من هذا المصرف، وأقل هدراً، وأكثر التصاقاً بالمحتاج.

ويمكن توفير المياه في بعض تلك الأماكن كالمساجد والمشافي مثلاً من خلال برادات المياه مع الكاسات الأكثر ملائمة للبيئة، فحينها لا يقصدها إلا من أصابه العطش، الذي يحتاج للماء فعلياً، وستنخفض كميات البيع والشراء بشكل مهول لأنه ليس له حاجة.

وأنا أعلم أن ثمة مستفيدين من هذا العمل، من شركات المياه والمسوقين لها، وأصحاب التطبيقات والمواقع التي تتكسب من ذلك البيع الكثير، وهم يعتبرون هذا العمل مصدراً لتوسيع دخلهم، وزيادة أرباحهم، وسيعارضون كل فكرة تنادي بتقليص هذا الهدر.

 كما أنني أعلم أن كثيراً من القائمين على ذلك من أفراد وجمعيات إنما يقصدون الخير، ويرغبون في الأجر، وأن دافعهم هو ابتغاء رضوان الله، غير أن النية وحدها لا تكفي لصلاح العمل، بل لابد من مراجعة العمل ذاته، والتحقق من الحاجة الفعلية، وإيقاف مسلسل الهدر للمياه، والتلويث للبيئة، والتشويه للمساجد.

سائلاً الله تعالى أن يدلنا على الصواب، ويجعلنا موفقين مسددين، وأن يصلح لنا النيات والعمل. 

دمتم بخير،،،



تنويه : حينما نمارس النقد الذاتي لأنفسنا وأعمالنا فإننا نحميها من النقد الهادم والمغرض.


29 رجب 1446هـ




1:19 م

عدد المواضيع