فتراهم يتحدثون عن فضل سقيا الماء وماورد فيه من الأجور، ويتحولون إلى واعظ في شأن السقيا، لا لشيء إلا لأنهم يبيعون كراتين المياه المعبأة، ويوصلونها للمساجد أو لغيرها من الأماكن التي يريدها المتبرعون أفراداً أو مؤسسات.
مدونة محمد العوشن حول تطوير الذات، والعمل الخيري، والقضايا الاجتماعية
فتراهم يتحدثون عن فضل سقيا الماء وماورد فيه من الأجور، ويتحولون إلى واعظ في شأن السقيا، لا لشيء إلا لأنهم يبيعون كراتين المياه المعبأة، ويوصلونها للمساجد أو لغيرها من الأماكن التي يريدها المتبرعون أفراداً أو مؤسسات.
فيبقى كل واحد منهم أشبه بالجزيرة المنفصلة عن الآخرين، فمعلوماته وخبراته وتجاربه يحملها بداخله، ويحتفظ بها لنفسه، حتى إذا غادر المنظمة يوماً ما، غادرت معه كل تلك المعارف والخبرات، واحتاجت المنظمة إلى إعادة بناء المعرفة مرة أخرى، مع الموظفين الجدد، وهي عملية تراكمية طويلة مكلفة في واقع الأمر.
وتستمر المنظمة مرة بعد أخرى في مسلسل إعادة البناء.
غير أن التشبيه الرائع في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الشهير عن حال أهل السفينة الذين نزل بعضهم أعلاها، ونزل بعضهم أسفلها، ثم إن الذين نزلوا أسفلها اقترحوا اقتراحاً مفاده لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا.
فكان النص الحاسم هنا (فإن تركوهم وما أرادوا؛ هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا) يجعلنا دوماً نعيد النظر في الفعل ذاته، وفي آثاره المتعدية بعد ذلك، بالنظر في مآلات الأمور ونتائجها الإيجابية أو السلبية قبل أن نقرر أن الأمر هين ويسير، وليس الحديث مقتصراً على الجانب السلبي، إذ الأمر ذاته ينطبق على أفعال الخير والإحسان، فرب فعل يسير استهان به صاحبه، وظن انه لا يصنع أثراً، لكن بركته وأجره وتأثيره كانت عظيمة.
فلا تمنن فهناك الكثير يعملون بصمت يقدمون ولا يمنَّوُن يتسابقون للعطاء ويحزنون إن فاتت عليهم الفرص ثم ينزوون كأن لم يعملوا شيئا {فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير }.
و في البلاء ( لست وحدك )
فهناك أناس يُبتلَون بأكثر مما أنت فيه ويصبرون، ويشير المصطفى ﷺ إلى ذلك في حديث خباب «كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون» رواه البخاري
وربما ظن المرء أنه حين يجد الجد، ويقع المكروه، وينشد "الفزعة" منهم، فإن تلك الأعداد غير المحدودة، جاهزة للمبادرة، تنتظر الإشارة منه، بل ربما توقع أن يسبقوا لذلك دون انتظار النداء.
والحقيقة أن هذا وهم كبير، فالناس الذين تعرفهم أو عشت معهم، أو تزاملت معهم في دراسة أو عمل، يتعايشون معك بوصفك جزءاً من مجتمعهم، وهم يعدونك جزءاً يسيراً من علاقاتهم الكثيرة، فلا تتوقع أن تكون لدى كل واحد منهم في المنازل الأولى، وأنه ينظر إليه كأقرب صديق، ذلك أن تلك التوقعات حين يجد الجدّ ستكون مؤلمة جداً.
ولأن المحاور شاب في مقتبل العمر لم يعاصر تلك المرحلة الزمنية، ولم يعش في ذلك التاريخ – كما هو حال كثير من المشاهدين -، فإنهم جميعاً يتعاملون مع تلك الأحكام والتوصيفات باعتبارها أمراً مؤكداً وثابتاً، لكونها تأتي من أحد الشهود الذين عاشوا المرحلة وعاصروها، وهو أدرى بحال الناس آنذاك...