11:35 ص

الاستثمار في الأعمال الخيرية

       يحرص الكثير من المستثمرين الهادفين للربح المحض لتحديد شريحة المستهدفين لديه، وينتقيهم بعناية، وهو ما يعين على تحقيق المزيد من الأرباح نتيجة التخصص.
 وقد وجد بعض أولئك المستثمرين أن العمل مع الجمعيات الخيرية أو مع فاعلي الخير يحقق لهم بغيتهم ومقصودهم الربحي بامتياز، لأن ذلك القطاع بحاجة إلى شراء الكثير من المنتجات والخدمات .
وترى الكثير من أولئك يقدمون الخدمات للقطاع بسعر السوق أو زيادة، وبجودة السوق أو أقل، وهم في ترويجهم لمنتجاتهم وأعمالهم لا يكلّون من استخدام النصوص الشرعية لحث الناس على التعاقد معهم!.

        فتراهم يتحدثون عن فضل سقيا الماء وماورد فيه من الأجور، ويتحولون إلى واعظ في شأن السقيا، لا لشيء إلا لأنهم يبيعون كراتين المياه المعبأة، ويوصلونها للمساجد أو لغيرها من الأماكن التي يريدها المتبرعون أفراداً أو مؤسسات.

         وتراهم كذلك يتحدثون عن أهمية العناية بالعمال المساكين الذين يعانون من البرد الشديد القارس، لأنهم في الواقع يسوّقون للحقيبة التي أسموها (كسوة الشتاء)، والأمر نفسه يقال عن إطعام الطعام، وتوزيع السلال، والتمور..

        ولأن العمل تجاري صرف، فإنهم لا يقومون هم أو كثير ممن يتعامل معهم بالتدقيق في مجال جودة المنتج، وفائدته للمستفيد النهائي، ومدى الحاجة الفعلية إليه، والأمر نفسه يقال عن الكثير من الخدمات التي يحرصون على التكسّب من خلال بيعها باسم البحث عن الخير وابتغاء الأجر.

        ومن الطريف كذلك أن ترى ذلك المستثمرالتجاري يتحدث بين الحين والآخر عن دوره الكبير في (العمل الخيري)، وحرصه عليه، وإنجازاته في توزيع أكبر عدد ممكن من سلعته باسم (الخير).

      وربما سعى للحصول على المزيد من العقود باعتباره أولى من غيره، لأنه من (رجال العمل الخيري) – على حدّ زعمه- مع أنه في هذه الحالة ليس سوى أحد المستفيدين من العمل الخيري، المتكسّبين منه، وهو مقدم خدمة ليس غير، هدفه الرئيسي تحقيق الربح المالي، وتأتي باقي الأهداف الأخرى – إن وجدت – تبعاً لذلك الهدف.

       لذا تراه لا يتغاضى عن أي شيء من الأرباح لصالح العمل الخيري، ولا يقبل بتأخير شيء من الدفعات، بل ولا يكلف نفسه بذل مزيد من الخدمة من حيث النوع أو الكم أكثر مما هو متفق عليه، فضلاً عن أن يتبرع بجزء من موارده للمشروع الذي يقدّم المواعظ الناس بشأنه.

     إن قيام رجل الأعمال بتحديد مجال عمله في خدمة قطاع ما، لا يجعله بالضرورة من رجالات ذلك القطاع، ويجب ألا يعتبر جهده التجاري ذاك عملاً تطوعياً يفاخر به، بل هو عمل تجاري صرف، فالمقاول الذي جعل اختصاصه بناء المساجد، أو الشركة التي تخصصت في إنتاج البرمجيات التعليمية، أو إصدار المواد الإعلامية الهادفة، أو تجهيز الاستوديوهات للمؤسسات غير الربحية، كل أولئك (رجال أعمال) يبحثون عن الربح الخالص وقد وجدوه هناك.

         ومن الخطأ أن نتعامل معهم كما نتعامل مع منظمات القطاع الخيري، من حيث مبدأ التجاوز وعدم التدقيق، وقبول المتاح، واعتبارهم محتسبين في خدمة العمل، ذلك أن أولئك المستثمرين حينما يكون الأمر مرتبطاً بحقوقهم ومصالحهم -عند التعاقد- فإنك تراهم تجاريين جداً ، ودقيقين جداً، فإذا جاء وقت الاستلام منهم، ومراجعة أعمالهم، لبسوا لباس التطوع والعمل الخيري، مطالبين بالمراعاة والتسهيل.

        إنك حين تقدّم الخدمة بشكل تطوعي صرف  لا تبتغي منها جزاءا ولا شكورا، فإنه ينطبق عليك قول الله تعالى ( ما على المحسنين من سبيل)، فعملك مشكور، وسعيك محمود، وبذلك للوسع كاف تماماً.

       أما حين تقدّم تلك الخدمة بمقابل مادي تكسب من خلاله، فإن الأمر مختلف كلياً، ويعتبر إخلالك بالعمل أو تقصيرك فيه مرتبطاً بأكل الأموال بالباطل.

        وما من شك أن احتساب الأجر في كل عمل يقوم به الإنسان أمر محمود، حتى ولو كان أمراً دنيوياً صرفاً، لكن ذلك شيء بين المرء وبين الله، لا يمكن الاطلاع عليه، ولا الاستيثاق منه، لأن محله القلب، ودعوى الاحتساب فيه غير كافية لقبول الإخلال بالأعمال والعقود، أو المطالبة بما هو غير مستحق، وخصوصاً حين يكون المال مال الله، ناتج عن تبرعات الناس وصدقاتهم، فإن التحرز فيه يجب أن يكون عالياً ، وأن يأخذ المرء فيه بالعزيمة لا بالرخصة، فـ (كل جسد نبت من سحت؛ فالنار أولى به).  

        وحديثي هذا عن المستثمرين هو حديث عن عدد غير قليل،  وإن كانت الوقائع تثبت قيام (بعض) أولئك، بإطلاق مشروعاتهم الخيرية الخاصة في مجال تخصصهم، وبذلهم في ذلك من مالهم الخاص، وهو أمر يذكر فيشكر.

        كما أنني لا أشك أن الكثير من الجمعيات العاملة في القطاع حريصة دوماً على الحصول على أفضل المنتجات، بأفضل الأسعار المتاحة، إدراكاً منهم للمسؤولية الملقاة على عواتقهم تجاه هذا المجال، وتجاه المستفيدين، وتجاه المتبرعين كذلك.

        جعلنا الله وإياكم من المباركين، ومن المتورعين عن أخذ ما فيه شبهة، فضلاً عما لا يحل، وجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.

        دمتم بخير ،،،

محمد بن سعد العوشن

21 - 5 - 1445 هـ

الرياض (حرسها الله)

هناك 3 تعليقات:

  1. يا زين الوضوح ... تريد بزنس ، خلك صريح ولا تلف ولا تدور،، تبي خيري ، خلك واضح .

    ردحذف
  2. عبدالله السبيعي ابـو مالك1 يناير 2024 في 9:31 م

    احسنت يادكتور ومقال جميل ويدل على وعي الخبراء في القطاع

    ردحذف
  3. أحسنتم في نقدكم .
    وليت نوسع دائرة نقدمنا حتى يبقى العمل الخيري خيريا أما أن تكون الجمعيات الخيرية ملجئا لكثير من الناس لرفع للاسترزاق وأخذ الرواتب العالية وصرف كثير من إيرادات التبرعات والأوقاف والصدقات راوتب وبدلات لمن يعمل في الجهات الخيرية ومحاولة الظهور بمظهر المحتسب المخلص مع أنه يستلم ضعف ماكان يتقاضاه في عمله الرسمي السابق .
    عموما قد أكون لم أحسن التعبير عن الفكرة لكن لعل أصل الفكرة وصلت .

    ردحذف