8:14 ص

لنبدأ في مسار المنظمة المتعلّمة

تفشل الكثير من المنظمات، حينما يكون نمو الأفراد فيها نمواً مستقلاً عن نمو المنظمة.

فيبقى كل واحد منهم أشبه بالجزيرة المنفصلة عن الآخرين، فمعلوماته وخبراته وتجاربه يحملها بداخله، ويحتفظ بها لنفسه، حتى إذا غادر المنظمة يوماً ما، غادرت معه كل تلك المعارف والخبرات، واحتاجت المنظمة إلى إعادة بناء المعرفة مرة أخرى، مع الموظفين الجدد، وهي عملية تراكمية طويلة مكلفة في واقع الأمر.

وتستمر المنظمة مرة بعد أخرى في مسلسل إعادة البناء.

ورغم أن مفهوم "المنظمة المتعلمة" قد برز منذ سبعينيات القرن الماضي، على يد عالم الإدارة الأمريكي " بيتر سينغ " إلا أن الواقع الفعلي للكثير من المنظمات اليوم هو بعيد عن مفاهيم المنظمة المتعلمة، نظرياً وعملياً، فهي لا تطبق الممارسات الفضلى في إدارة المعرفة، مما يفقد المنظمة الكثير من مكتسباتها.

ويمكن تعريف (المنظمة المتعلمة) بأنها التي يعمل موظفوها على زيادة قدراتهم ومعارفهم التي تساهم في تحقيق النتائج، ويتم تشجيعهم على العمل وفق نماذج تفكير جديدة، وتصحيح نماذج التعلم لديهم، والنقطة المهمة جداً في ذلك : فتح المجال للموظفين للتعلم من بعضهم البعض، وتناقل الخبرات فيما بينهم، وإيجاد آلية لتقييد الخبرات وحفظها وأرشفتها وتيسير الوصول إليها.

وبعيداً عن التنظير الطويل بشأن المنظمة المتعلمة والمنهجيات العلمية في ذلك، والسعي للحصول على شهادات متخصصة في مجال المنظمة المتعلمة، فإنني أقترح ان يكون التركيز - في بداية الأمر – على نشر المبادئ الرئيسة، قولاً وعملاً، وإيجاد المبادرات العملية للبدء بالتطبيق والممارسة على أرض الواقع، ولو كانت خطوات يسيرة وجزئية، فإن البداية هي النقطة الأهم، كما أن النجاح الجزئي سيدفع إلى خطوات أكبر وأشمل.

ولعل من وسائل ذلك على سبيل المثال لا الحصر، أن يلتزم كل فرد من فريق العمل بكتابة تقرير منشور ومتاح للجميع عن كل لقاء يحضره، أو زيارة يقوم بها، أو فعالية يشارك فيها، أو مشروع يتم الانتهاء منه، برنامج تدريبي التحق به.

إن وجود هذه المعرفة المجزأة في بداية الأمر، وشيوع تطبيقها،  وزيادة محتواها يوماً بعد آخر، سيبني معارف كثيرة، يمكن العمل – في المرحلة التالية – على تنظيمها وتقسيمها، وفهرستها، ووضع الكلمات المفتاحية له، ثم إعادة توظيف تلك المعارف الجزئية لتكوين صورة أشمل، وأكثر سهولة للتداول والنقل.

ومالم تبدأ المنظمة بخطوات يسيرة على أرض الواقع، فسوف تظل إدارة المعرفة حلماً بعيد المنال، وأمنية تنتظر دون أن يلوح في الأفق أي مؤشر على تحقيقها.

دمتم بكل خير .

محمد بن سعد العوشن

12 / 5 / 1445

(الرياض) حرسها الله


0 التعليقات:

إرسال تعليق