11:08 ص

الاقتباس الأعمى في العمل الخيري

في خضم السعي نحو تطوير العمل الخيري تشيع العديد من المصطلحات المستوردة والتي يحلو للكثيرين الحديث بها باعتبارها نجاحاً وتميزاً.

ولا شك أن الاستفادة من الحق حيثما وجده المرء يعدّ أمرا مطلوباً أياً كان القائل به.

غير أن بعض تلك الاقتباسات والنماذج تتسم بالخصوصية التي تتناسب مع مجتمعاتها، ولا تتناسب بالضرورة مع المجتمعات الأخرى، وحينها يكون الانشغال بها، والعمل من خلالها لونا من ألوان العبث لا التجديد والابتكار.

ففي مجتمع مسلم يقوم على الإعلاء من قيمة الإنسان، ويؤمن أهله بأولوية الإنسان، ويستشعرون أن كل ما في الكون مسخر لأجله، " ولقد كرمنا بني آدم"، "وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض" ، لا يمكن في مجتمع كهذا أن نرى انطلاق جمعيات تهتم بإيواء القطط الضالة التي لا تجد لها أسرة تأويها! في الوقت الذي لا يزال فيه أفراد من الآدميين لا يجدون الطعام أو أحد أبرز الاحتياجات الرئيسية.

فالقطط والكلاب في الأصل حيوانات يمكن لها العيش بشكل تلقائي دون تدخل البشر، فهي تحمل وتلد وتأكل وتموت في الشوارع والافنية والحدائق والأراضي الخالية، وهي بطبيعتها وما حباها الله من سمات قادرة على العيش في تلك الأجواء والأماكن دون الحاجة للتدخل البشري، وانما جاءت فكرة العناية المبالغ فيها بتلك الحيوانات من واقع مجتمع غربي يعلي من شأن القطط والكلاب، فاعتاد تربيتها في المنازل، وصارت جزءا من ثقافته، فخصص لها بيوتا وألعابا وأطعمة وعيادات، بل وفنادق!، و ربما مات الواحد منهم فأوصى بجل ثروته أو كلها لكلبه الوفي، وحرم ذريته وأهله من ذلك الميراث.

وفي ظني أن توجيه العناية للحيوانات- مع وجود آدميين في المجتمع ذاته أكثر حاجة – عبث بالأموال، وتصرف غير منطقي.

فندق مخصص للقطط
وثمة فرق شاسع بين أن يقوم أحد الأفراد بإطعام حيوان رآه جائعاً، او سقياه حين وجده يكاد يموت عطشا، فذلك إحسان في كبد رطبة، و"في كل كبد رطبة أجر" وهو أمر حسن.  وبين أن تخصص لها الجهود الجماعية المنظمة، وتنشأ الجمعيات والمباني وتجمع لها الأموال من المتبرعين الذين ينشدون الأجر، ويبحثون عن الاحتياجات الأولى بالرعاية، فذلك أمر آخر تماما، ولا أظنه يسوغ في مجتمعاتنا.

ولا يمكن اعتبار نشاط كهذا إلا لوناً من ألوان التقليد الأعمى، وهو يشبه من يبني بيتا في المملكة ثم يترك الفناء مكشوفا للناظرين والعابرين اقتباساً من منازل الغربيين التي رآها هناك، ذلك أن مفهوم الستر والحشمة وستر العورات و الخصوصية تختلف كليا بيننا وبينهم، فاقتباس كهذا ليس ممدوحاً ولا يدل على سعة المدارك ولا الابتكار بل هو دليل على قلة الوعي، وأن عقدة الخواجة تلازم الكثيرين حتى أصبحوا يرون أن مشابهة القوم بحد ذاته نجاحا كبيرا!.

وعوداً على بدء، فإنني أؤكد على أهمية اقتباس الأفكار الرائعة بعد التأكد من مناسبتها لنا، فالحق ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها، لكنه اقتباس متبصّر واع .

دمتم بخير 

محمد بن سعد العوشن
الرياض - حرسها الله - 



#العمل_الخيري #القطاع_الثالث #ق3 #الابتكار #الإبداع #القطط #أفضل_الممارسات

0 التعليقات:

إرسال تعليق