لغة القالب

مفتي الحوكمة!

ثمة مصطلحات جميلة، وأنيقة، يتم استخدامها بشكل واسع، وتصبح أكليشة ثابتة، يتم الحديث عنها، والتمسّح بها، والانتساب إليها، وإصدار الأحكام على الناس بموجبها، كما يتم استخدامها كأداة للثناء والإطراء، وللتشويه والذمّ، ومن تلك المصطلحات الرائجة اليوم: مصطلح "الحوكمة".

وإذا أردنا أن نتعرف على معنى الحوكمة، فيمكننا أن تناول التعريف الوارد في لائحة حوكمة الشركات الصادرة عن هيئة السوق المالية السعودية.

حيث نصّت اللائحة على تعريف حوكمة الشركات بأنها:

"قواعد لقيادة الشركة وتوجيهها، تشتمل على آليات لتنظيم العلاقات المختلفة بين مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين والمساهمين وأصحاب المصالح، وذلك بوضع قواعد وإجراءات خاصة لتسهيل عملية اتخاذ القرارات وإضفاء طابع الشفافية والمصداقية عليها، بغرض حماية حقوق المساهمين وأصحاب المصالح، وتحقيق العدالة والتنافسية والشفافية في السوق وبيئة الأعمال".

وهي تعمل وفقاً لمبادئ رئيسية أربعة هي: الشفافية والمسؤولية والمساءلة والعدالة.

ويمكن القول بأن الشركات المساهمة المطروحة اليوم في سوق الأسهم السعودي تُعدّ من الجهات التي تعمل وفقاً لأعلى درجات الحوكمة، ويصعب المزايدة عليها، أو محاولة إظهار أن قطاعاً ما هو أكثر حوكمة منها، خصوصاً مع وجود الكثير من أصحاب المصالح الذين يهمهم أن يتم حماية استثماراتهم من أي تغوّل من مجالس الإدارة أو الإدارات التنفيذية.

ولهذا تقوم (هيئة السوق المالية) باعتبارها الجهة الرقابية والإشرافية المسؤولة عن تنظيم وتطوير السوق المالية بإصدار القوانين واللوائح والتعليمات اللازمة بهدف توفير المناخ الملائم لتحقيق الثقة والعدالة والكفاءة لإصدار الأوراق المالية وتوفير العدالة والإفصاح الكامل في الشركات المساهمة وحماية المستثمرين بسوق الأوراق المالية.

ولأن الحوكمة ممارسة إدارية فضلى على مستوى العالم كله، فثمة أنظمة ولوائح تضبط وتحدد أفضل الممارسات، والقواعد الرئيسة، يما يكفل حدوداً واضحة للعمل، ويمكن التحاكم إلى تلك التنظيمات لبيان الخطأ والصواب.

ومن خلال تعاملي مع عدد من القطاعات، والجهات والأفراد، فإنني لاحظت أن الحوكمة باتت كلأً مباحاً لكل أحد، ورأيت أفراداً -غير قليلين- قرأوا شيئاً يسيراً عن الحوكمة، أو حضروا دورة تدريبية فيها، أو وجدوا أنفسهم في وظيفة تقوم ببعض المهام الإشرافية، ثم توهّم هؤلاء وأولئك أنهم من الخبراء المميزين في مجال الحوكمة، وباتوا يصدرون فتاواهم وأحكامهم في شأن (الحوكمة) بلا علم ولاهدى، يصدرونها بكل ثقة، ودون أي تردد! 

وبمراجعة يسيرة للخبراء الفعليين في المجال، والعودة للمراجع والأدبيات الأصيلة، والجهات العريقة في مجال الحوكمة، فإنك تكتشف أن جملة من تلك الأحكام التي يصدرها متوهمو الخبرة : مجانبة  للصواب، وهي من كيس قائليها، جرّأهم عليها سكوت الكثيرين، وإخباتهم أمام أدعياء العلم.

إننا في حاجة لتجلية الكثير من أوهام الحوكمة، وتحديد المرجعيات الفعلية فيها، وعدم قبول إصدار الأحكام ممن لا يملك المعرفة الكافية والموثوقة، حتى وإن كان يحمل شهادة عليا في تخصصات إدارية أو قانونية أو علمية أخرى، وحتى لو أصبح في وظيفة تنفيذية أو قيادية تعتني بالحوكمة، فالتعيين هنا يعني أن يقود العملية إدارياً لا أن يتحول بمجرد القرار إلى مرجعية علمية في التخصص.

إن الحوكمة أداة مهمة في الضبط، والحماية من التجاوزات، وفصل السلطات داخل المنظمات، وهي – أي الحوكمة- أداة لتحسين الأداء لا للتعقيد والتضييق و المنع، وليست المهارة في أن نقول (لا) لكل تصرّف، تحت ذريعة الحوكمة المتوهمة، بل أن نقولها – فقط – حين تقع المخالفة الصريحة لتلك الأنظمة المعلنة والواضحة، وحين يكون الخلل وتعارض المصالح جلياً لا يقبل التأويل.

ولذا فإن الأصل أن تطلق أيدي الجهات - على اختلاف اختصاصاتها وأعمالها-  في وضع آليات وأدوات إجراءات العمل التي تراها مناسبة، مالم تخرق نصاً صريحاً واضحاً، فتخالف لوائح معتمدة من متخذ القرار، أو المسؤول عن التشريعات.

دمتم بخير ،،،

محمد بن سعد العوشن

الرياض -حرسها الله-

bin_oshan

11 / 4 / 1444 هـ


12:54 م

عدد المواضيع