العدالة في تقديم الخدمات للفقراء
يقوم الأفراد، ورجال الأعمال، والمؤسسات والجمعيات الخيرية، والجهات الحكومية في بلادنا المباركة بجهود كبيرة، وأعمال ومشروعات كثيرة، من أجل تخفيف الفقر، وتحسين أوضاع الفقراء، وتتنوع هذه الجهود وتتوزع جغرافياً ونوعياً لتشمل شريحة كبيرة من هؤلاء المحتاجين.وهي أعمال مباركة تستحق أن تذكر فتشكر، وهي من أبواب الخير والإحسان التي بها تعظم الحسنات، وتندفع بها المصائب والبليّات، كما قال صلى الله عليه وسلم (صَنائعُ المعروفِ تَقِي مَصارعَ السُّوءِ)، وحديث (إنَّما تُرزَقونَ وتُنصَرونَ بضُعفائِكُم).
وحديثي هنا ليس عن أبواب الخير الكثيرة التي يمكن العمل عليها في مجال تخفيف الفقر ومساعدة المحتاجين، فذلك باب واسع ومتنوع، والناس في ذلك عاملون، وإنما أريد الحديث هنا عن أهمية السعي (المتوازن) لتقديم تلك الخدمات بشكل يضمن العدالة وحسن التوزيع للمال الخيري على المحتاجين إليه.
ودافعي لذلك ما أراه من تفاوت كبير في المشروعات الموجهة لهذه الشريحة المحتاجة، حيث يعمل بعضها في مجال الضروريات، ويعمل الآخر في مجال التحسينات والكماليات التي لا أولوية لها، رغم وجود المحتاجين حاجة ماسة لما هو أهم.
والذي يحدث من جراء عدم الاتزان هذا، أن يطال بعض الأفراد ألوان من الإحسان التكميلي، ويفتقر آخرون إلى أهم الأساسيات.
وفي حديث مع أحد المعنيين بترميم منازل الفقراء -على سبيل المثال-، كان السؤال الموجه إليه: لماذا يتم تحسين المنزل بهذه الصورة المتكاملة، فيتم إعادة تبليط كامل المنزل، ويتم إعادة دهاناته من الداخل والخارج ، وتغيير كامل إضاءاته وأبوابه حتى يغدو جديداً فعلياً، بينما تبقى بيوت فقراء آخرين لا يحميهم السقف المؤقت من المطر، ولا تعمل لديهم الكهرباء إلا في غرفة أو غرفتين، بل هي لا تعمل إطلاقاً عند آخرين، ويعاني فقراء آخرين من عدم توافر المياه الصالحة للشرب!، فكيف تقدّم خدمة متكاملة لأقوام، ويحرم منها آخرون؟
وكان رد القائم على العمل بأن مهمتنا هي السعي لتوفير الحياة الكريمة اللائقة لهؤلاء المحتاجين، وهو هدف رائع ونبيل، غير أن توفير ذلك للبعض، وإبقاء البعض بحالة مأساوية ليس تصرفاً رشيدا – على الأقل من وجهة نظري- فالجميع من أهل الاحتياج.
وهنا أتساءل:
أليس من الأولى أن يتم تقديم الخدمات على المستوى (المتوسط) لجميع الشريحة المستهدفة، بدلاً من أن يطال بعضهم مستويات (رائعة) من الخدمة، ويبقى آخرون بانتظار توفر الدعم الكافي لتقديم تلك الخدمة الرائعة التي قد تأتي، وقد لا تأتي.
إن من المفترض أن يكون تقديم الخدمات وفق أهمية الخدمة لا اكتمال الخدمات، كأن يتم التأكد من وصول المياه الصالحة للشرب للجميع، ثم حماية منازل جميع الفقراء من المطر والغبار، ثم التأكد من وصول الكهرباء وتوفير الأجهزة الرئيسية للجميع، ثم صلاحية دورات المياه للاستخدام الصحي، وهكذا.
والترتيب المشار إليه غير مقصود بذاته، لكنني عنيت أن يوجد ما يشابه المعايير المتفق عليها والمرتبة وفق الأهمية لتحقيق جودة الحياة، بحيث تحرص الجمعية على الوفاء بكل معيار على حدة لجميع المستفيدين قبل الانتقال للخدمة والمعيار الذي يليه، بما يضمن تحسين المستوى المعيشي، وجودة الحياة بشكل تدريجي ومتوازن لجميع الشريحة المستهدفة.
وفي ظني أن ذلك الترتيب والمعايرة أمر جليل، وهو عمل وفق الأولويات، كما أنه يحقق المصلحة للفقير، وللمتبرع، وللقائم على العمل في الجمعية الخيرية، وللمجتمع برمته، وهو محتاج لنفر من المختصين والباحثين الذين يمكنهم التوصل بعد التشاور والاستماع لأهل الخبرة من الوصول إلى تلك الأولويات.
سائلاً الله تعالى أن يدلنا على الصواب، ويجعلنا موفقين مسددين، وأن يصلح لنا النوايا والعمل.
دمتم بخير ،،،
وكتبه
محمد بن سعد العوشن
bin_oshan
ذو القعدة 1445هـ
ذو القعدة 1445هـ
10:49 م